بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي المَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللهِ ) (١).
فالمستفاد من هذه الآية هو نسبة الخلق إلى غير الله تعالى كما يشعر به قوله تعالى ( فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ ) حيث الله هو الخالق الحقيقي ، وفي هذه الآية نسب الله تبارك وتعالى الخلق إلى عيسى عليهالسلام وعليه هذه التصرفات التي صدرت من عيسى عليهالسلام واثبتها القرآن الكريم انما هي كانت منصبة على التكوينات مثل خلق الطير أي جمع اجزاءه وكذلك ابراء الاكمه والابرص الذين هم في خلقتهم خلل تكويني ، والاعظم من هذا كله هو احياء الموتى ، وهل هذا إلاّ فيه دلالة كبيرة على عظمه الأنبياء وعلى الولاية العظيمة التي اعطاها الله تبارك وتعالى لهم والتي نعبر عنها بالولاية التكوينية أي التصرف في التكوينيات ، على ان قوله تعالى ( بِإِذْنِ اللهِ ) الذي تكرر في الآية المباركة مرتين سيق للدلالة على ان صدور هذا التصرف التكويني عبر الآيات الباهرات للعقول من عيسى عليهالسلام انما كان مستنداً إلى الله تعالى من غير ان يستقل عيسى عليهالسلام بشيء من ذلك وانما كرره تكراراً يشعر بالاصرار منه تعالى بالوهيته استدلالا بالايات المعجزة الصادرة عنه ، ولذا كان يقيد كل آية يخبر بها عن نفسه مما يمكن ان يضلوا به الخلق والاحياء باذن الله. وفي ذلك يقول العلامة السيد الطباطبائي في تفسيره الميزان وظاهر قوله : أني أخلق لكم « الخ » ان هذه الايات كانت تصدر عنه صدوراً خارجيا لا ان الكلام مسوق لمجرد الاحتجاج والتحدي ، ولو كان مجرد قول لقطع العذر واتمام الحجة لكان من حق الكلام ان يقيد بقيد يفيد ذلك كقولنا : ان سألتم او اردتم او نحو ذلك. على ان ما يحكيه الله سبحانه من مشافهته لعيسى يوم القيامة يدل على ان وقوع هذه الايات أتم الدلالة ، قال : ( إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ ـ إلى ان قال ـ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ المَوْتَىٰ ) (٢). ومن هنا يظهر فساد ما ذكره بعضهم : أن قصارى ما تدل عليه الآية ان الله سبحانه جعل في عيسى بن مريم هذا السر ، وان احتج على
__________________
(١) آل عمران : آية ٤٩.
(٢) المائدة : آية ١١٠.