لفاطمة ، وفي كل مرة يكرر عليها هذه العبارة : يا فاطمة تجرعي مرارة الدنيا لحلاوة الآخرة ... وفي ذلك درس عظيم لكل فتاة تبحث عن النجاح في الحياة ... فيه درس عظيم لكل امرأة تفتش عن السمو ... تفتش عن التكامل في الإسلام.
يقول جابر بن عبد الله الأنصاري رحمهالله : رأى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ابنته فاطمة ، وعليها كساء من أجلة الإبل ، وهي تطحن بيدها ، وترضع ولدها ، فدمعت عينا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال : يا بنتاه تجرعي مرارة الدنيا لحلاوة الآخرة ، فقالت : الحمد لله على نعمائه ، والشكر لله على آلائه (١).
إن فاطمة الزهراء من خلال سيرتها الذاتية هذه تعطي الفتاة المسلمة أعظم درس في الحياة ، يؤدي بها إلى سلوك الصراط المستقيم لتعيش في ظلال رحمة الله سبحانه.
أجل ... إن فاطمة تعلم المرأة كيف تصبح فتاةً مسؤولة ... ، تتحمل مسؤولية الأسرة ، والمجتمع في ثقة وشجاعة.
ونعلم من سيرة الزهراء أنها لما أرهق بدنها الكدح والنضال ، وأتعبها الطحن بالرحى ، جاءت أباها تمشي على استحياء ، تطلب منه خادمةً تساعدها على تخفيف أعباء المنزل ، وثقل الحياة العائلية التي كانت تكابدها ليلاً نهاراً ، علّها تخفّف عنها بعض همومها. وقفت بين يدي أبيها رسول الله ، مطرقةً برأسها حياءً بعد أن سلمت عليه ، فرد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكان من عادته أنه إذا أقبلت عليه فاطمة ، كان يقوم إجلالاً لها ويقبل يدها ثم يجلسها في مجلسه ، فجلست وهي مطرقة برأسها إلى الأرض ، وما كادت تجلس في مكانها ، حتى سألها الرسول الأعظم قائلاً : ما جاء بك ... وما حاجتك أي بنية ؟ فغلبها الحياء ولم تتمكن من سؤال النبي ، فقالت : جئت لأُسلم عليك ... وبعد لحظات قامت فودعها النبي ، ورجعت إلى دارها دون أن تحقق هدفها الرامي إلى طلب فتاة لخدمة المنزل.
وبعد هذا اللقاء بأيام وجدت فاطمة نفسها لا تستطيع مواصلة العمل دون وجود فتاة إلى جانبها في البيت ، فقررت أن تشكو حالها إلى أبيها الحبيب المصطفى لعله هذه
__________________
(١) سفينة البحار : ١ / ٥٧١ وكتاب فاطمة الزهراء لمحمد علي دخيل : ٦٥.