بالرحى حتى مجلت يداها ، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها ، فقلت لها : لو أتيت أباك فسألته خادماً يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل.
قال : أفلا اُعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم ؟ إذا أخذتما منامكما فكبّرا أربعاً وثلاثين تكبيرة ، وسبّحا ثلاثاً وثلاثين تسبيحة ، واحمدا ثلاثاً وثلاثين تحميدةً. فأخرجت فاطمة رأسها وقالت : رضيت عن الله وعن رسوله ، رضيت عن الله وعن رسوله (١).
وعادت فاطمة إلى دارها تحمل معها أعظم هدية ربّانية ، وأكبر عطاء تربوي فكري. تلكم كانت قصة حديث تسبيح فاطمة الذي أطلقوا عليه اسم تسبيح الزهراء ، وشاع صيته في الآفاق وأصبح المسلمون يرددونه في أعقاب كل صلاة في خشوع ودموع. ولكن هل انتهت قصة هذا التسبيح العظيم ـ تسبيح الزهراء ـ ؟ كلا ... بالطبع إن تسبيح الزهراء ـ سلام الله عليها يعتبر شعيرة عظيمة ، من شعائر الله التي هي من تقوى القلوب. ونحن نعرف أن فاطمة لها أسلوب خاص ، وسيرة ذاتية تتعامل بها مع شعائر الله ... إن مفهوم الشعائر عند فاطمة يختلف عن مفهوم الآخرين للشعائر ... ولكي تأتي الصورة ـ صورة البحث ـ أكثر وضوحاً ، فإنه لابد من الدخول في الموضوع من أبوابه العريضة ، ولكن باختصار شديد مع الوضوح الكامل في الفكرة والتعبير.
إن الصفة الملازمة لفاطمة الزهراء ـ هي أنها تستطيع أن تصور الإسلام في كل خطوة تخطوها ، وفي كل شيء تلمسه بيدها الطاهرة وهي ـ أي هذه الصفة ـ وإن كانت موجودة في كل أهل البيت ـ عليهمالسلام ـ إلا أنها تتألق في شخص الصديقة فاطمة الزهراء ، بشكل يشد القلوب ، ويبهر الألباب.
إن فاطمة تصوّر الإسلام بكل أبعاده حيث تجلس إلى الرحى تطحن فيها القمح والشعير ـ لتسد أود أبنائها وبعلها ومن يلوذ بها في ظل أهل البيت. وإن فاطمة تصور
__________________
(١) من لا يحضره الفقية : ١ / ٣٢٠ ـ ٣٢١.