في آخر أيامه تلك ، بعث إلى خديجة بعمار بن ياسر وقال : قل لها : يا خديجة لا تظني أن انقطاعي عنك ( هجرة ) ولاقلى ، ولكن ربي عز وجل أمرني بذلك لينفذ امره ، فلا تظني يا خديجة الاّ خيراً ، فان الله عز وجل ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مراراً. فإذا جنك الليل فأجيفي الباب (١) وخذي مضجعك من فراشك فإني في منزل فاطمة بنت أسد. فجعلت خديجة تحزن في كل يوم مراراً لفقد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فلما كان في كمال الاربعين هبط جبرئيل عليهالسلام فقال : يا محمد ، العلي الاعلى يقرئك السلام وهو يأمرك ، ان تتأهب لتحيته وتحفته ، قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا جبرئيل ، وما تحفه ربِّ العالمين ؟ وما تحيته ؟ قال : لا علم لي. قال : فبينما النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كذلك اذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطى بمنديل سندس ـ او قال استبرق ـ فوضعه بين يدي البني صلىاللهعليهوآلهوسلم.
حسست بثقل فاطمة في بطني (٢). ولقد علق العلامة الهمداني على هذا الحديث بقوله : يستفاد من هذا الحديث الشريف امور مهمة وفوائد عظيمة هي دالة على سمو جلالة بضعة خير المرسلين ، وعلو منزلة زوجة افضل الوصيين وام الأئمة الطاهرين ـ صلوات الله عليهم اجمعين ـ. منها نزول جبرئيل عليهالسلام على صورته الاصلية كنزوله في اول البعثة. ففي « البحار » ج ١٨ / ص ٢٤٧ : « ان محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم كان بحراء ، فطلع له جبرئيل عليهالسلام من المشرق ، فسد الافق إلى المغرب ». ومعلوم ان مجيئه عليهالسلام على هذه الهيئة لأمر عظيم. ومنها اعتكافه صلىاللهعليهوآلهوسلم اربعين يوما في بيت فاطمة بنت اسد ـ رضي الله عنها ـ قائما ليلة ، صائما نهاره ، واعتزاله عن الناس وعن زوجته الكريمة خديجة الكبرى سلام الله عليها ، كما كان معتكفا ومعتزلا في اول البعثة بحراء ، نعم كان اعتكافه صلىاللهعليهوآلهوسلم يؤمئذ لاجل ان يكون مهيئا للنبوة والرسالة ، وفي هذا الموقف لكونه متأهبا للتحفة الالهية التي ستكون منشأ الإمامة والولاية ، بل هي عنصر شجرة النبوة كما جاء عن الباقر عليهالسلام (٣). ومنه نزول ترك سنته في افطاره ، من ادخال كل من يرد للافطار ، واختصاصه صلىاللهعليهوآلهوسلم بذلك الطعام. ومنها ترك سنته في التطهر عند وروده
__________________
(١) أجفت الباب : رددته.
(٢) البحار : ١٦ / ٧٨ ـ ٨٠.
(٣) انظر « مجمع البحرين ».