الخيل ، اقبلنا نحو الكوفة راجعين ، فلما ان صرت إلى بعض الطريق ذكرت التكة ، فقلت في نفسي : قد خلا ما عنده ، فصرت إلى موضع المعركة ، فقربت منه فاذا هو مرمل بالدماء ، قد حز رأسه من القفا وعليه جراحات كثيرة من السهام والرماح ، فمددت يدي إلى التكة وهممت ان احل عقدها ، فرفع يده وضرب بها يدي ، فكادت اوصالي وعروقي تتقطع ، ثم اخذ التكة من يدي ، فوضعت رجلي على صدره وجهدت جهدي لازيل اصبعا من اصابعه ، فلم اقدر ، فأخرجت سكينا كان معي ، فقطعت اصابعه ثم مددت يدي إلى التكة ، وهممت بحلها ثانيا ، فرأيت خيلا اقبلت من نحو الفرات ، وشممت رائحة لم اشم رائحة اطيب منها ، فلما رأيتهم قلت : انا الله وانا إليه راجعون ، انما اقبلوا هؤلاء لينظروا إلى كل انسان به رمق « فيجهزوا عليه ».
فصرت بين القتلى ، وغاب عني عقلي من شدة الجزع ، فاذا رجل يقدمهم ـ كان وجهه الشمس ـ وهو ينادي : انا محمد رسول الله ، والثاني ينادي : انا حمزة اسد الله ، والثالث ينادي : انا جعفر الطيار ، والرابع ينادي : انا الحسن بن علي. وأقبلت فاطمة وهي تبكي وتقول : حبيبي ، وقرة عيني ، ابكي على رأسك المقطوع ، ام على يديك المقطوعتين ، ام على بدنك المطروح ، ام على اولادك الاسارى. ثم قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : اين رأس حبيبي وقرة عيني الحسين ، فرأيت الرأس في كف النبي ، فوضعه على بدن الحسين ، فاستوى جالسا ، فاعتنقه النبي وبكى ـ فذكر الحديث ـ إلى أن قال ـ : فقال : يا عدو الله ! ما حملك على قطع اصابع حبيبي وقرة عيني الحسين ـ إلى ان قال : ـ ثم قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : اخسأ يا عدوا الله ! غير الله لونك ، فقمت ، فاذا انا بهذه الحالة (١).
* وروي ان رجلا كان محبوسا بالشام مدة طويلة مضيقاً عليه ، فرأى في منامه كأن الزهراء صلوات الله عليها أتته فقالت : ادع بهذا الدعاء ، فتعلمه ودعا به فتخلص ورجع إلى منزله وهو : اللهم بحق العرش ومن علاه ، وبحق الوحي ومن اوحاه ، وبحق النبي ومن نباه ، وبحق البيت ومن بناه ، ويا سامع كل صوت ، ويا جامع كل فوت ،
__________________
(١) مدينة المعاجز : ٢٣٩.