قومه أو المنقطع عن الخير ، فردّ الله عليه بأنّه هو المنقطع من كلّ خير. ولما فيه قوله ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ ) من الامتنان عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم جيء بلفظ المتكلّم مع الغير الدالّ على العظمة ، ولما فيه من تطبيب نفسه الشريفة أكّدت الجملة بانّ ، وعبّر بلفظ الإعطاء الظاهر في التمليك.
وبالجملة لا تخلو من دلالة على أنَّ ولد فاطمة عليهاالسلام ذرّيَّته صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهذا في نفسه من ملامح القرآن الكريم ، فقد كثّر الله تعالى نسله بعد كثرة لا يعادلهم فيها أيُّ نسل آخر ، مع ما نزل عليهم من النوائب ، وأفنى جموعهم من المقاتل الذريعة (١).
وقال الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى : ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) ، والقول الثالث : الكوثر أولاده. قالوا : لأنّ هذه السورة إنما نزلت ردّاً على من عابه عليهالسلام بعدم الأولاد ، فالمعنى أنّه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان ، فانظر كم قتل من أهل البيت ، ثم العالم ممتليٌّ منهم ولم يبق من بني اُميّة في الدنيا أحدٌ يعبأ به ! ثمّ انظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا عليهمالسلام والنفس الزكيّة وأمثالهم (٢).
وقال أيضاً : إنّا إذا حملنا الكوثر على كثرة الأتباع أو على كثرة الأولاد وعدم انقطاع النسل كال هذا اخباراً عن الغيب ، وقد وقع مطابقاً له ، فكان معجز (٣).
وقال الآلوسيُّ في تفسير : ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ) ، الأبتر : الذي لا عقب له حيث لا يبقى منه نسل ولا حسن ذكر ، وأمّا أنت فتبقى ذرّيّتك ... عليه دلالة على أنّ أولاد البنات من الذرّيّة (٤).
وقال العلامة القزوينيّ : ووجه المناسبة أنّ الكافر شمت بالنبّي صلىاللهعليهوآلهوسلم حين مات أحد أولاده وقال : إنّ محمداً أبتر ، فإن مات مات ذكره. فأنزل الله هذه السورة على نبيّه عليهالسلام تسلية له ، كأنّه تعالى يقول : إن كان ابنك قد مات فإنّا أعطيناك فاطمة ، وهي وإن كانت واحدة وقليلة ولكنَّ الله سيجعل هذا الواحد كثيراً.
__________________
(١) الميزان : ٢٠ / ٣٧٠ ـ ٣٧١.
(٢) التفسير الكبير : ٣٢ / ١٢٤.
(٣) التفسير الكبير : ٣٢ / ١٢٨.
(٤) روح المعاني : ٣٠ / ٢٤٧.