البحث الثاني
حقيقة السر المستودع
أكد القرآن الكريم في كثير من آياته المباركة على اطلاع الباري عز وجل على خائنة العين وما تخفي الصدور ، ويعني هذا أن الله يعلم السر وما أخفى ، وهو ما أضمره الإنسان وأسرّه ثمّ نسيه ( وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ) (١) ، وأيضاً جاء قوله تعالى ( وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) (٢). ليؤكد هذه الحقيقة ، حقيقة السر الذي يكتمه الإنسان على غيره ولكن لا يخفى على الله تعالى أي سرٌ لأنّ الله تعالى خالق الإنسان في هذا العالم وإلى ذلك أشار القرآن ( قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ) (٣) ، فيعلم الله تعال حقيقة أسرار الناس وما يكتمون ، إلاّ أنّه هناك اسرار مودعة من قبل الله تعالى عند كثير من الأولياء وخصوصاً الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين حيث أمرهم بحفظها ولا يظهروها إلا لمن هو أهل لها ، ولنعم ما قيل في الشعر المنسوب الىٰ مولىٰ الموحدين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام حيث قال :
لا تَفْشِ سِرَّا ما استطعت الىٰ
امرىءٍ |
|
يُفشِي اليك سَرَائراً يُستودَعُ |
فكما تراه بِسِرِّ غيرك صانعاً |
|
فكذا بِسِرِّكَ لا محالة يصنع |
وإلى ذلك أشار الفرزدق :
لا يكْتُم السّرَّ إلا من له شَرفُ |
|
والسِّرُّ عند كرام الناس مكتُومُ |
__________________
(١) النحل : ١٩.
(٢) الملك ١٣.
(٣) الفرقان ٦.