لاستزادتها بالشكر لا تصالها (١) ، واستحمد إلى الخلايق بإجزالها (٢) ، وثنّى بالندب إلى أمثالها (٣). وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، كلمة جعل الإخلاص تأويلها (٤) ، وضمن القلوب موصولها (٥) ، وأنار في الفكر معقولها (٦). الممتنع من
__________________
(١) يقال : ندبه لإمر وإليه فانتدب ، أي دعاه فأجاب. واللام في قولها « لاتصالها » لتعليل الندب ، أي رغَّبهم في استزاده النعمة بسبب الشكر لتكون نعمة متصلة لهم غير منقطعة عنهم. وجعل اللام الاُولى للتعليل والثانية للصلة بعيد. وفي بعض النسخ : « لإفضالها » فيحتمل تعلقه بالشكر.
(٢) أي طلب منهم الحمد بسبب إجزال النعم وإكمالها عليهم ، يقال : أجزلت له من العطاء ، أي أكثرت ، وأجزاك النعم ، كأنه طلب الحمد ، أو طلب منهم الحمد حقيقة لإجزال النعم. وعلى التقديرين التعدية بإلى لتضمين معنى الانتهاء أو التوجه ؛ وهذه التعدية في الحمد شايع بوجه آخر ، يقال : أحمد إليك الله ، قيل ، أي أحمده معك ، وقيل : أي أحمد إليك نعمة الله بتحديثك إياها. ويحتمل أن يكون « استحمد » بمعنى تحمَّد ، يقال : فلان يتحمَّد عليَّ ، أي يمتن ، فيكون إلى بمعنى على ، وفيه بُعد.
(٣) أي بعد أن أكمل لهم النعم الدينوية ندبهم إلى تحصيل أمثالها من النعم الاُخروية أو الأعم منها ومن مزيد النعم الدنيوية. ويحتمل أن يكون المراد بالندب إلى أمثالها أمر العباد بالإحسان والمعروف وهو إنعام على المحسن إليه ، وعلى المحسن أيضاً ، لأنه به يصير مستوجباً للأعواض والمثوبات الدنيوية والاُخروية.
(٤) المراد بالاخلاص جعل الأعمال كلها خالصة لله تعالى ، وعدم شوب الرياء والأغراض الفاسدة ، وعدم التوسل بغيره تعالى في شيء من الاُمور ؛ فهذا تأويل كلمة التوحيد ، لأن من أيقن بأنه الخالق والمدبر وبأنه لا شريك له في الإلهية فحق له أن لا يشرك في العبادة غيره ، ولا يتوجه في شيء من الاُمور إلى غيره.
(٥) هذه الفقرة تحتمل وجوهاً :
الأول : أن الله تعالى ألزم وأوجب على القلوب ما تستلزمه هذه الكلمة من عدم تركيبه تعالى وعدم زيادة صفاته الكمالية الموجودة وأشباه ذلك مما يؤول إلى التوحيد.
الثاني : أن يكون المعنى : جعل ما يصل إليه العقل من تلك الكملة مدرجاً في القلوب بما أراهم من الآيات في الآفاق وفي أنفسهم ، أو بما فطرهم عليه من التوحيد.
الثالث : أن يكون المعنى لم يكلف العقول الوصول إلى منتهى دقايق كلمة التوحيد وتأويلها ، بل إنما كلف عامة القلوب بالإذعان بظاهر معناها وصريح مغزاها ، وهو المراد بالوصول.
الرابع : أن يكون الضمير في « موصولها » راجعاً إلى القلوب ، أي لم يلزم القلوب إلاّ ما يمكنها الوصول إليها من تأويل تلك الكلمة الطيبة والدقايق المستنبطة منها ، أو مطلقاً ؛ ولولا التفكيك لكان أحسن الوجوه بعد الوجه الأوّل ، بل مطلقاً.
(٦) أي أوضح في الأذهان ما يتعقل من تلك الكلمة بالتفكُّر في الدلايل والبراهين. ويحتمل إرجاع الضمير إلى القلوب. والفِكر بصيغة الجمع ، أي أوضح بالتفكر ما يعقلها العقول. هذا يؤيّد الوجه الرابع من وجوه الفقرة السابقة.