الأمور (١) ، وإحاطةً بحوادث الدهور ، ومعرفة بمواقع المقدور (٢) ، ابتعثه الله تعالى إماماً لأمره (٣) وعزيمةً على إمضاء حكمه ، وإنفاذاً لمقادير حتمه (٤). فرأى الامم فرقاً في أديانها ، عكَّفاً على نيرانها (٥) عابدةً لأوثانها منكرةً لله مع عرفانها (٦). فأنار الله بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ظلمها (٧) وكشف عن القلوب بُهَمها (٨) ، وجلى عن الابصار غُممها (٩) وقام في الناس بالهداية ، وأنقذهم من الغواية ، وبصرهم من العماية (١٠) ، وهداهم إلى الدين القويم ، ودعاهم إلى الطريق المستقيم ، ثمَّ قبضه الله إليه قبض رأفةٍ واختيار (١١) ورغبةٍ وايثار بمحمدٍ صلىاللهعليهوآلهوسلم (١٢) عن تعب هذه الدار في راحةٍ ، قدْ حفَّ بالملائكة
__________________
(١) على صيغة الجمع أي عواقبها ، وفي بعض النسخ بصيغة المفرد.
(٢) أي لمعرفته تعالى بما يصلح وينبغي من أزمنة الامور الممكنة ، المقدورة وأمكنتها ويحتمل ان يكون المراد بالمقدور المقدر ، بل هو أظهر.
(٣) أي للحكمة التي خلق الأشياء لأجلها.
(٤) الإضافة في « مقادير حتمه » من قبيل اضافة الموصوف إلى الصفة ، أي مقاديره المحتومة.
(٥) تفصيل وبيان للفرق بذكر بعضها ، يقال : عكف على الشيء ـ كضرب ونصر ـ أي أقبل عليه مواظباً ولازمه فهو عاكف ، ويجمع على عُكَّف بضم العين وفتح الكاف المشددة كما هو الغالب في فاعل الصفة نحو شُهَّد وغُيَّب. والنيران جمع نار وهو قياس مطرد في جمع الأجوف نحو تيجان وجيران.
(٦) لكون معرفته تعالى فطرية ، أو لقيام الدلائل الواضحة الدالة على وجوده سبحانه.
(٧) الضمير في « ظلمها » راجع إلى الامم ، والضميران التاليان له يمكن ارجاعهما اليها وإلى القلوب والابصار. والظلم بضم الظاء وفتح اللام : جمع ظلمة ، استعيرت هنا للجهالة.
(٨) البهم : جمع بهمة بالضم ، وهي مشكلات الامور.
(٩) جلوت الأمر : أوضحته وكشفته. والغمم : جمع غمة. يقال : أمر غمَّة ، أي مبهم ملتبس ، قال الله تعالى : ( ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ) قال أبو عبيدة : مجازها ظلمة وضيق ، وتقول غممت الشيء إذا غطيته وسترته.
(١٠) العماية : الغواية واللجاج ، ذكره الفيروزآبادي.
(١١) واختيار ، أي من الله له ما هو خير له ، أو باختيار منه صلىاللهعليهوآله ورضاً ، وكذا الايثار ، والأول أظهر فيهما.
(١٢) لعلّ الظرف متعلق بالايثار بتضمين معنى الضنة أو نحوها ، وفي بعض النسخ : « محمد » بدون الباء فتكون الجملة استينافيه ، أو مؤكدة للفقرة السابقة أو حالية بتقدير الواو. وفي بعض كتب المناقب القديمة « فمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم » وهو أظهر. وفي رواية كشف الغمَّة : « رغبة بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم عن تعب هذه الدار » وفي رواية أحمد بن أبي طاهر : « بأبي عزَّت هذ الدار » ولعلَّ المراد دار القرار ، ولو كان المراد الدنيا تكون الجملة معترضة. وعلى التقادير لا يخلو من تكلف.