الأبرار ورضوان الرَّبِّ الغفار ، ومجاورة الملك الجبار. صلى الله على أبي نبيِّه وأمينه على الوحي ، وصفيه وخيرته من الخلق ورضيه ، والسلام عليه رحمة الله وبركاته.
ثمَّ التفت إلى أهل المجلس وقالت : أنتم عباد الله نصب أمره ونهيه (١) وحملة دينه ووحيه ، واُمناء الله على أنفسكم ، وبلغاؤه إلى الاُمم (٢) ، وزعمتم حقٌ لكم (٣) لله فيكم ، عهد قدمه اليكم ، وبقيةٌ استخلفها عليكم (٤) : كتاب الله الناطق ، والقرآن الصادق ، والنور الساطع ، والضياء اللامع ، بينةٌ بصائرُهُ (٥) ، منكشفة سرائره (٦) ، متجليةٌ ظواهره ، مغتبطةٌ به أشياعه (٧) ، قائد إلى الرضوان اتباعه ، مؤدٍ إلى النجاة إسماعه (٨). به تنال حجج الله المنورة ، وعزائمه المفسرة ، ومحارمه المحذرة ، وبيناته الجالية ، وبراهينه الكافية ، وفضائله المندوبة ، ورخصه الموهوبة (٩) ، وشرايعه المكتوبة.
__________________
(١) قال الفيروزآبادي : « النَصب بالفتح : العلم المنصوب ، ويحرك. وهذا نصب عيني ، بالضم والفتح » انتهى. أي نصبكم الله لأوامره ونواهيه وهو خير الضمير. و « عباد الله » منصوب على النداء.
(٢) أي تؤدون الأحكام إلى ساير الناس لأنكم أدركتم صحبة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
(٣) أي زعمتم أن ما ذكر ثابت لكم ، وتلك الأسماء صادقة عليكم بالاستحقاق. ويمكن أن يقرأ على الماضي المجهول. وفي إيراد لفظ الزعم إشعار بأنهم ليسوا متصفين بها حقيقة وإنما يدّعون ذلك كذباً. ويمكن أن يكون « حقٌ لكم » جملة اُخرى مستأنفة ، أي زعمتم أنكم كذلك وكان يحق لكم وينبغي أن تكونوا كذلك لكن قصرتم. وفي بعض النسخ : « وزعمتم حقٌ له فيكم وعهد » وفي كتاب المناقب القديم : « زعمتم أن لا حق لي فيكم ، عهداً قدّمه إليكم » فيكون « عهداً » منصوباً باذكروا ونحوه * وفي الكشف : « إلى الاُمم حولكم ، لله فيكم عهد ».
* وفي الإحتجاج المطبوع : « زعيم حقِّ له فيكم وعهدٍ ... » فلا يحتاج إلى التكلف.
(٤) العهد : الوصية. وبقية الرجل : ما يخلفه في أهله. والمراد بهما القران ، أو بالاوَّل ما أوصاهم به في أهل بيته وعترته ، وبالثاني القرآن ، وفي رواية أحمد بن أبي طاهر : « وبقيَّة استخلفنا عليكم ومعنا كتاب الله » فالمراد بالبقية أهل البيت عليهمالسلام ، وبالعهد ما أوصاهم به فيهم.
(٥) البصائر : جمع بصيرة وهي الحجّة.
(٦) المراد بانكشاف السرائر وضوحها عند حملة القرآن وأهله.
(٧) الغبطة أن يتمنى المرء مثل حال المغبوط من غير أن يريد زوالها منه ، تقول : غبطته فاغتبط. والباء للسببية أي أشياعه مغبوطون بسبب اتباعه. وتلك الفقرة غير موجودة في ساير الروايات.
(٨) على بناء الإفعال ، أي تلاوته. وفي بعض نسخ الاحتجاج وساير الروايات : « استماعه ».
(٩) المراد بالعزائم : الفرائض ، وبالفضائل : السنن ، وبالرخص : المباحات بل ما يشمل المكروهات ، وبالشرايع ما سوى ذلك من الاحكام كالحدود والديات والأعم ، وأما الحجج والبينات والبراهين فالظاهر أن بعضها مؤكدة لبعض ، ويمكن تخصيص كل منها ببعض ما يتعلق باُصول الدين لبعض المناسبات. وفي رواية أبي طاهر : « وبيناته الجالية وجمله الكافية »