وقعدت حُجرة الظنين (١) ! نقضت قادمة الأجدل (٢) ، فخانك ريش الاعزل (٣) ؛ هذا ابن أبي قحافة (٤) يبتزني نُحيلة أبي وبُلغة ابني (٥) ، لقد أجهر في خصامي (٦) ، وألفيتُه ألدَّ في كلامي (٧) ، حتى حبستْني قيلةُ نَصْرَها ، والمهاجرة وَصْلها (٨) ، وغضَّتِ الجماعة
__________________
(١) الحجرة ، بالضم : حظيرة الابل ، ومنه حجرة الدار ، والظنين ، المتهم ؛ والمعنى : اختفيت عن الناس اختفاء الجنين ، وقعدت عن طلب الحق ونزلت منزلة الخائف المتهم. وفي رواية السيد : « الحجزة » بالزاء المعجمة. وفي بعض النسخ : « قعدت حجزة الظنين ». وقال في النهاية : « الحجزة : موضع شد الازار ، ثم قيل للازار حجزة ، للمجاورة ». وفي القاموس : « الحجزة ، بالضم : معقد الازار ، ومن الفرس : مركب مؤخر الصفات بالحقو. » وقال : « شدة الحجزة كناية عن الصبر ».
(٢) قوادم الطير : مقاديم ريشه ، وهي عشر في كل جناح ، واحدتها : قادمة. والاجدل : الصقر.
(٣) الاعزل الذي لا سلاح معه. قيل : لعلها ـ صلوات الله عليها ـ شبهت الصقر الذي نقضت قوادمه. بمن لا سلاح له. والمعنى : تركت طلب الخلافة في أول الأمر قبل ان يتمكنوا منها ويشيدوا أركانها ، وظننت ان الناس لا يرون غيرك اهلا للخلافة ، ولا يقدمون عليك احدا ، فكنت كمن يتوقع الطيران من صقر منقوضة القوادم.
اقول : يحتمل ان يكون المراد انك نازلت الابطال ، وخضت الاهوال ، ولم تبال بكثرة الرجال حتى نقضت شوكتهم ، واليوم غلبت من هؤلاء الضعفاء والارذال ، وسلمت لهم الأمر ولا تنازعهم. وعلى هذا ، الاظهر انه كان في الاصل « خاتك » بالتاء المثناة الفوقانية فصحف. قال الجوهري : « خات البازي واختات ، أي انقض لياخذه » وقال الشاعر : « يخوتون اخرى القوم خوت الاجادل ». والخائتة : العقاب اذا انقضت فسمعت صوت انقضاضها. والخوات : ذوي جناح العقاب. والخوات ، بالتشديد : « الرجل الجريء ». وفي رواية السيد : « نفضت » بالفاء ، وهو يؤيد المعنى الأوّل.
(٤) قحافة بضم القاف وتخفيف المهملة.
(٥) الابتزار : الاستلاب واخذ الشيء بقهر وغلبة ، من البز بمعنى السلب. والنحلة : فعلية مفعول ، من النحلة ـ بالكسر ـ بمعنى الهبة والعطية عن طيبة نفس من غير مطالبة او من غير عوض. والبلغة بالضم : ما يتبلغ به من العيش يكتفي به. وفي اكثر النسخ : « بليغة » بالتصغير ، فالتصغير في النحيلة ايضا انسب. وابني اما بتخفيف الياء ، فالمراد به الجنس ، او تشديدها على التثنية.
(٦) اجهاز الشيء : اعلانه. والخصام : مصدر كالمخاصمة ، ويحتمل ان يكون جمع خصم ، أي اجهر العداوة او الكلام لي بين الخصام ، والأوّل اظهر.
(٧) « الفيته » أي وجدته. والالد : شديد الخصومة ، وليس فعلا ماضيا ، فان فعله على بناء المجرد.
* والاضافة في « كلامي » اما من قبيل الاضافة إلى المخاطب او إلى المتكلم. و « في » للظرفية او السببية. وفي رواية السيد « هذا بني ابي قحافة ـ إلى قوله ـ لقد اجهد في ظلامتي ، والد في خصامتي ». قال الجزري : « يقال جهد الرجل في الأمر ، اذا جد وبالغ فيه. واجهد دابته ، اذا حمل عليها في السير فوق طاقتها ».
* قد اتى فعله على بناء الافعال ايضا كما في القاموس وغيره.
(٨) قيلة ، بالفتح : اسم ام قديمة لقبيلتي الانصار ، والمراد بنو قيلة. وفي رواية السيد : « حين منعتني الانصار نصرها » وموصوف المهاجرة الطائفة او نحوها. والمراد بوصلها عونها.