أما الإمام الكاظم عليهالسلام فقد حدها للرشيد بعد أن ألحّ عليه الرشيد أن يأخذ فدكاً ، فقال له الإمام : ما آخذها إلا بحدودها ، قال الرشيد : وما حدودها ؟ قال : الحدُّ الأول عدن ، والحدُّ الثاني سمرقند ، والحدُّ الثالث أفريقيّة ، والحدُّ الرابع سيف البحر مما يلي الخزر وأرمينية ، فقال له الرشيد : فلم يبق لنا شيء فتحوَّل في مجلسي (١) ، أي أنّك طالبت بالرقعة الإسلامية في العصر العباسي بكاملها.
فقال الإمام : قد أعلمتك أني إن حدّدتها لم تردّها.
ففدك تعبير ثانٍ عن الخلافة الإسلامية ، والزهراء جعلت فدكاً مقدمة للوصول إلى الخلافة ، فأرادت استرداد الخلافة عن طريق استرداد فدك.
ومما يدل على هذا تصريحات الزهراء في خطبتها بحق علي وكفاءته وجهاده ، فهي القائلة في خطبتها الكبيرة التي ألقتها في مسجد رسول الله : « فأنقذكم الله بأبي محمد بعد اللّتيّا والّتي ، وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب ومرده أهل الكتاب ، كُلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله أو نجم قرن للشيطان ، أو فغرت فاغرة من المشركين ، قذف أخاه ( أي عليّاً ) في لهواتها ، فلا ينكفي حتى يطأ صماخها بأخمصه ، ويخمد لهبها بسيفه ، مكدوداً في ذات الله ، مجتهداً في أمر الله ، قريباً من رسول الله ، سيد أولياء الله ، مُشمِّراً ناصحاً ، مجدّاً كادحاً ، وأنتم في رفاهيةٍ من العيش وادعون فاكهون آمنون ، تتربّصون بنا الدوائر وتوكّفون الأخبار ، وتنكصون عن النزال ، وتفرُّون من القتال ».
وتقول أيضاً : « ألا وقد أرى والله أن قد أخلدتم إلى الخفض ، وبعدتم من هو أحقّ بالبسط والقبض ». وهو أمير المؤمنين.
وكان لإشادة الزهراء بفضل علي عليهالسلام في خطبتها أثر بالغ في نفوس الأنصار حتى هتف قسم منهم باسمه ، فاستشعر أبوبكر الخطر من هذه البادرة ، وشقّ عليه مقالتها ، فصعد المنبر وقال : « أيها الناس ما هذه الرعة إلى كلّ قالة ، أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟ ألا من سمع فليقل ، ومن شهد فليتكلّم ، إنّما هو ثعالة :
__________________
(١) أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين : القسم الثالث من الجزء الرابع : ٤٧ ، عن ربيع الأبرار ، للزمخشري.