ويقينها بفناء الدنيا ، وتوجّه نفسها القدسيّة وانصراف همّتها العالية دائماً إلى اللذات المعنويّة والدرجات الاُخروية ، لا تناسب مثل هذا الاهتمام في أمر فدك ، والخروج إلى مجمع الناس ، والمنازعة مع المنافقين في تحصيله.
والجواب عنه من وجهين ، الأوّل : أن ذلك لم يك حقّاً مخصوصاً لها ، بل كان أولادها البررة الكرام مشاركين لها فيه ، فلم يكن يجوز لها المداهنة والمساهلة والمحاباة وعدم المبالاة في ذلك ليصير سبباً لتضييع حقوق جماعة من الأئمة الأعلام والأشراف الكرام. نعم لو كان مختصاً بها كان لها تركه والزهد فيه وعدم التأثّر من فوته.
والثاني : إنّ تلك الاُمور لم تكن لمحبّة فدك وحبّ الدنيا ، بل كان الغرض إظهار ظلمهم وجورهم وكفرهم ونفاقهم ، وهذا كان من أهمّ اُمور الدين وأعظم الحقوق على المسلمين ، ويؤيّده أنّها صلوات الله عليها صرَّحت في آخر الكلام حيث قال : « قلت ما قلت على معرفةٍ منّي بالخذلة ... » ، وكفى بهذه الخطبة بيّنة على كفرهم ونفاقهم ... (١).
قال المحقق الفاضل الألمعي عبدالزهراء عثمان محمد : ربما يعترض البعض على موقف فاطمة فيقول : لماذا إذن تقف فاطمة هذا الموقف الصلب في مطالبتها بفدك ، فلو لم يكن هناك هدف آخر تبتغيه من ورائه ، لما طالبت هذه المطالبة الحقيقيّة به.
ولأجل أن نبرز الحقائق التي دفعت الصديقة فاطمة الزهراء عليهاالسلام للمطالبة بفدك نضع أمامنا النقاط الآتية :
١ ـ إنّها عليهاالسلام رأت أنّ تأميم فدك قد هيّأ لها فرصةً ذهبيّةً في الإدلاء برأيها حول الحكومة القائمة ، وكان لابدَّ لها أن تدلي بتصريحاتها أمام الجماهير ، وقد هيّأت لها قضيّة فدك هذه الملابسات المناسبة ، فحضرت دار الحكومة في المسجد النبوي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وألقت بتصريحاتها التي لا تنطوي على أيّ لبس أو غموض.
٢ ـ تبيان أحقيّة عليّ في قيادة الاُمة بعد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد تجلّى ذلك في خطبتها التي ألقتها في مسجد
__________________
(١) البحار : ٨ / ١٢٧ ـ ١٢٨.