وهذا القول هو المرويّ عن ابن عبّاس وقتادة. والأوّل ذكره البلخي والجبائي ، وروي عن الحسن وابن زيد. وقيل : هو عامّ في اليهود والمنافقين. وهو الأصحّ.
(ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (٧٩))
ثم قال تعالى خطابا عامّا : (ما أَصابَكَ) يا إنسان (مِنْ حَسَنَةٍ) من نعمة وإحسان (فَمِنَ اللهِ) تفضّلا منه وامتنانا ، فإنّ كلّ ما يفعله الإنسان من الطاعة لا يكافئ نعمة الوجود ، فكيف يقتضي غيره. ولذلك قال عليهالسلام : «ما يدخل أحد الجنّة إلّا برحمة الله. قيل : ولا أنت. قال : ولا أنا».
(وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ) من بليّة ومصيبة (فَمِنْ نَفْسِكَ) لأنّك السبب فيها بما اكتسبت من الذنوب. ومثله : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (١). وهو لا ينافي قوله تعالى : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) فإنّ الكلّ منه إيجادا وإيصالا ، غير أنّ الحسنة إحسان وامتنان ، والسيّئة مجازاة وانتقام ، كما قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ما من خدش بعود ، ولا اختلاج عر؟؟ ، ولا عثرة قدم ، إلّا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر».
وكما قالت عائشة عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ما من مسلم يصيبه وصب (٢) ولا نصب ، حتى الشوكة يشاكها ، وحتى انقطاع شسع نعله ، إلّا بذنب ، وما يعفو الله أكثر».
(وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ) جميعا (رَسُولاً) لست برسول للعرب وحدهم كما
__________________
(١) الشورى : ٣٠.
(٢) الوصب : المرض والوجع الدائم ، وقد يطلق على التعب والفتور في البدن. والنصب : العناء والمشقّة.