فقال بعد ذلك تأكيدا للأمر بالتحريض : (مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً) راعى بها حقّ مسلم ، ودفع بها عنه ضرّا ، أو جلب إليه نفعا ، ابتغاء لوجه الله تعالى ، ومنها الدعاء لمسلم ، كما قال عليهالسلام : «من دعا لأخيه المسلم بظهر الغيب استجيب له ، وقال له الملك : ولك مثل ذلك».
(يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها) وهو ثواب الشفاعة والتسبّب إلى الخير الواقع بها. وقال عليهالسلام : «اشفعوا تؤجروا».
وأصل الشفاعة من الشفع الّذي هو ضدّ الوتر ، فإنّ الرجل إذا شفع لصاحبه فقد شفّعه ، أي : صار ثانيه.
ثم قال في بيان ضدّه ومقابله : (وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً) يريد بها محرّما منهيّا ، ومنه الشفاعة في إسقاط حقّ واجب ، كترك الجهاد ، وترك حدّ من حدود الله الواجبة ، كما قال عليهالسلام : «من حالت شفاعته دون حدّ من حدود الله تعالى فقد ضادّ الله في ملكه».
(يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها) أي : نصيب من وزرها مساو لها في القدر ، فإنّ الكفل بمعنى النصيب عند اللغويّين (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً) مقتدرا ، من : أقات الشيء ، إذا قدر. أو شهيدا حافظا يعطي الشيء قدر الحاجة ، اشتقاقه من القوت ، فإنّه يقوّي البدن ويحفظه.
(وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (٨٦)) ولمّا أمر سبحانه المؤمنين بقتال المشركين وتشدّدهم وغلّظ عليهم ، أوجب عليهم جواب السلام على وجه يكون أحسن من تسليم المسلّم المسلم أو مثله ، ليحصل به مزيّة المودّة والرأفة والمحبّة والصداقة والاتّحاد بينهم ، عكس المشركين ، فقال : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) فأمر سبحانه بردّ السلام على المسلّم بأحسن ما سلّم ، وهو أن يقول : عليكم السلام ورحمة الله ،