(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ) بأن قوّى قلوبهم ، وبسط صدورهم ، وأزال الرعب عنهم (فَلَقاتَلُوكُمْ) ولم يكفّوا عنكم. هذا إخبار عن المقدور ، وليس فيه أنه يفعل ذلك ، أو يأذن لهم فيه. فمعناه : أنّه يقدر على ذلك لو شاء ، لكنّه لم يشأ ذلك ، بل قذف سبحانه الرعب في قلوبهم حتى فزعوا وطلبوا الموادعة ، ولو لم يقذفه كانوا مسلّطين ، أي : مقاتلين لكم غير كافّين.
(فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ) أي : فإن لم يتعرّضوا لكم بالقتال (وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ) الاستسلام والانقياد ، أي : صالحوكم واستسلموا لكم (فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) فما أذن لكم في أخذهم وقتلهم.
(سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً (٩١))
روي أنّ بني أسد وغطفان أتوا المدينة وأظهروا الإسلام ليأمنوا المسلمين ، فلمّا رجعوا إلى قومهم نكثوا عهدهم وكفروا ، فنزلت في شأنهم : (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ) غير الّذين وصفوا (يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ) فيظهرون الإسلام (وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ) فيظهرون لهم الموافقة في دينهم (كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ) المراد بالفتنة هنا الشرك ، أي : كلّما دعاهم قومهم إلى الكفر وإلى قتال المسلمين (أُرْكِسُوا فِيها) قلّبوا فيها أقبح قلب ، وكانوا شرّا فيها من كلّ عدوّ.
(فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ) لم يعتزل هؤلاء قتالكم (وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ) ولم