سافرتم فيها (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) إثم (أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) بتنصيف الرباعيّات ، فتصلّوها ركعتين ركعتين. والجارّ والمجرور صفة محذوف ، أي : شيئا من الصلاة عند سيبويه ، ومفعول «تقصروا» بزيادة «من» عند الأخفش.
والقصر ثابت بنصّ الكتاب في حال الخوف خاصّة ، وهو قوله : (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا). يعني : خفتم فتنة الّذين كفروا في أنفسكم ، بأن يعذّبوكم بنوع من العذاب ، أو في دينكم. (إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً) ظاهر العداوة.
وأمّا قصر الصلاة في حال الأمن فبنصّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم. وهو عزيمة واجبة غير رخصة عند أبي حنيفة. وهو مذهب أهل البيت عليهمالسلام. ورخصة عند الشافعي.
وإنّما قال : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) في الواجب لئلّا يخطر ببالهم أنّ عليهم نقصانا في القصر ، فإنّهم ألفوا الأربع ، فكان مظنّة لأن يخطر ببالهم أنّ ركعتي السفر قصر ونقصان ، فسمّى الإتيان بهما قصرا على ظنّهم ، ونفي الجناح فيه لتطيب به أنفسهم.
والجملة الشرطيّة شريطة القصر باعتبار الغالب في ذلك الوقت ، ولم يعتبر مفهومها في وجوب القصر. ومثله في القرآن كثير ، كقوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) (١). وقد تظاهرت السنن من الموافق والمخالف على جواز القصر أيضا في حال الأمن.
وروى زرارة ومحمد بن مسلم : «قلنا لأبي جعفر عليهالسلام : ما تقول في الصلاة في السفر؟ كيف هي؟ وكم هي؟
قال : إنّ الله تعالى يقول : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) فصار التقصير واجبا في السفر كوجوب التمام في الحضر.
قالا : قلنا : إنّه قال : لا جناح عليكم أن تقصروا من الصلاة ، ولم يقل : افعل ،
__________________
(١) البقرة : ٢٢٩.