قال أبو سفيان : اعل هبل.
فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : قولوا : الله أعلى وأجلّ.
فقال أبو سفيان : موعدنا وموعدكم بدر الصغرى. فنزلت هذه الآية في شأنهم.
(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٦))
ولمّا تقدّم ذكر المنافقين والكافرين ، والأمر بمجانبتهم ومحاربتهم ، وترك المداهنة معهم ، عقّب ذلك بذكر الخائنين ، والأمر باجتناب الدفع عنهم ، والنهي عن المداهنة معهم ، فقال : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) والصدق (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) بما عرّفك الله وأوحى به إليك. وليس الرؤية بمعنى العلم ، وإلّا لاستدعى ثلاثة مفاعيل. (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ) أي : لأجلهم والذبّ عنهم (خَصِيماً) مخاصما للبرآء.
روي أنّ أبا طعمة بن أبيرق من بني ظفر سرق درعا من جاره قتادة بن النعمان في جراب دقيق ، فجعل الدقيق ينتثر من خرق فيه ، وخبّأها عند زيد بن السمين اليهودي ، فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد ، وحلف ما أخذها وما له بها علم ، فتركوه واتّبعوا أثر الدقيق حتى انتهى إلى منزل اليهودي فأخذوها. فقال : دفعها إليّ طعمة ، وشهد له ناس من اليهود. فقال بنو ظفر : انطلقوا بنا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فلمّا جاءوا إليه قالوا : إن لم تجادل عن صاحبنا هلك وافتضح وبرىء اليهودي ، وهو موجب لهوان المسلمين وعزّة اليهود. فهمّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يعاقب اليهودي ، لحسن ظنّه بالمسلم الظاهر العدالة ، فنبّه الله رسوله بذلك ، وأعلمه خيانة طعمة بقوله : (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً).