ومتى حملوا الآية على بعض الأمّة حملها غيرهم على من هو مقطوع على عصمته عنده من المؤمنين ، وهم الأئمّة من آل محمّد عليهمالسلام.
على أنّ ظاهر الآية يقتضي أنّ الوعيد إنّما يتناول من جمع بين مشاقّة الرسول واتّباع غير سبيل المؤمنين ، فمن أين لهم أنّ من فعل أحدهما يتناوله الوعيد. ونحن إنّما علمنا يقينا أنّ الوعيد يتناول بمشاقّة الرسول بانفرادها بدليل غير الآية ، فيجب أن يسندوا تناول الوعيد باتّباع غير سبيل المؤمنين إلى دليل آخر» (١).
(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) كرّره للتأكيد ، أو لقصّة طعمة.
وقيل : جاء شيخ إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال : إنّي شيخ منهمك في الذنوب ، إلّا أنّي لم أشرك بالله شيئا منذ عرفته وآمنت به ، ولم أتّخذ من دونه وليّا ، ولم أوقع المعاصي جرأة ، وما توهّمت طرفة عين أنّي أعجز الله هربا ، وإنّي لنادم تائب ، فما ترى حالي عند الله؟ فنزلت هذه الآية فيه.
(وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) عن الحقّ ، فإنّ الشرك أعظم أنواع الضلالة ، وأبعدها عن الصواب والاستقامة. وإنّما ذكر في الآية الأولى : (فَقَدِ افْتَرى) (٢) لأنّها متّصلة بقصّة أهل الكتاب ، ومنشأ شركهم كان نوع افتراء ، وهو دعوى التبنّي على الله تعالى.
(إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً (١١٧) لَعَنَهُ اللهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (١١٨) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (١١٩) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢٠) أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (١٢١))
__________________
(١) مجمع البيان ٣ : ١١٠ ـ ١١١.
(٢) النساء : ٤٨.