(وَإِنْ تُحْسِنُوا) بالإقامة على نسائكم وإن كرهتموهنّ ، وتصبروا على ذلك (وَتَتَّقُوا) النشوز والإعراض ونقص الحقّ ، وما يؤدّي إلى الأذى والخصومة (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ) من الإحسان والخصومة (خَبِيراً) عليما به وبالغرض فيه ، فيجازيكم عليه. أقام كونه عالما بأعمالهم مقام إثابته إيّاهم عليها الّذي هو في الحقيقة جواب الشرط ، إقامة السبب مقام المسبّب ، إذ العلم سبب المجازاة.
وعن ابن عبّاس أنّ سودة بنت زمعة خشيت أن يطلّقها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالت : لا تطلّقني وأجلسني مع نسائك ، ولا تقسم لي واجعل يومي لعائشة ، فنزلت الآية.
(وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٢٩) وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللهُ واسِعاً حَكِيماً (١٣٠))
ولمّا تقدّم ذكر النشوز والصلح بين الزوجين ، عقّبه سبحانه بأنّه لا يكلّف من ذلك ما لا يستطاع ، فقال : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ) أي : لا تقدروا أبدا أن تسوّوا بين النساء في المحبّة والمودّة في القلب (وَلَوْ حَرَصْتُمْ) على تحرّي ذلك وبالغتم فيه ، لأنّ العدل أن لا يقع ميل البتّة ، وهو متعذّر. ولذلك كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقسم بين نسائه فيعدل ويقول : اللهمّ هذه قسمي فيما أملك ، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك ، يعني : المحبّة.
قيل : إنّ العدل بينهنّ صعب ، وهو أن يسوّي بينهنّ في القسمة والنفقة والتعهّد والنظر والمؤانسة ، وغير ذلك ممّا لا يحصى ، فهو كالخارج عن حدّ الاستطاعة. هذا