ولا يلطف بهم ، عقوبة لهم على كفرهم المتقدّم ، إذ يستعبد منهم أن يتوبوا عن الكفر ويثبتوا على الإيمان الصحيح ، لأنّ قلوب أولئك الّذين هذا ديدنهم قلوب قد ضربت بالكفر ومرنت على الردّة ، وكان الإيمان أهون شيء عندهم وأدونه.
وليس المعنى : أنّهم لو أخلصوا الإيمان بعد تكرار الردّة ونصحت توبتهم لم ، يقبل منهم ولم يغفر لهم لأنّ ذلك مقبول مستوجب للغفران والهداية. واللام للمبالغة في النفي. وخبر «كان» محذوف ، أي : وما كان الله أن يوفّقهم بالايمان ليغفر لهم.
ويدلّ على أنّ هذه الآية في المنافقين قوله بعد ذلك : (بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ) أي : أخبرهم يا محمد (بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) فإنّهم قد آمنوا في الظاهر وكفروا في السرّ مرّة بعد أخرى ، ثم ازدادوا كفرا بالإصرار على النفاق وإفساد الأمر على المؤمنين.
ووضع «بشّر» مكان «أنذر» تهكّم بهم.
(الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) في محلّ النصب أو الرفع على الذمّ ، بمعنى : أريد الّذين ، أو هم الّذين كانوا يوالون الكفرة ، ويطلبون عندهم العزّة والغلبة ، باتّخاذهم إيّاهم أولياء من دون المؤمنين. فردّ الله تعالى عليهم بقوله : (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ) أيتعزّزون بموالاتهم (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) لا يتعزّز إلّا من أعزّه ، وقد كتب العزّة لأوليائه فقال : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (١) ، لا يعتدّ بعزّة غيرهم بالإضافة إليهم.
__________________
(١) المنافقون : ٨.