وتوانينا في مظاهرتهم عليكم ، وأطلعناكم على أسرارهم ، وأفضينا إليكم بأخبارهم ، فاعرفوا لنا هذا الحقّ ، وأشركونا فيما أصبتم.
(فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) أيّها المؤمنون وبين المنافقين (يَوْمَ الْقِيامَةِ) فيدخل المؤمنين الجنّة والمنافقين النار.
(وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) حينئذ ، أو في الدنيا.
والمراد بالسبيل الحجّة ، وإن جاز أن يغلبوهم في الدنيا بالقوّة ، ولكنّ المؤمنين منصورون بالدلالة والحجّة.
قال الجبائي : ولو حملناه على الغلبة لكان ذلك صحيحا ، لأنّ غلبة الكفّار للمؤمنين ليس ممّا فعل الله تعالى ، فإنّه لا يفعل القبيح ، وليس كذلك غلبة المؤمنين للكفّار ، فإنّه يجوز أن ينسب إليه تعالى.
واحتجّ به أصحابنا والشافعيّة على فساد شراء الكافر المسلم.
(إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٤٢) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (١٤٣))
ثمّ بيّن سبحانه أفعالهم القبيحة ، فقال : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ) أي : يفعلون فعل المخادع ، من إظهار الايمان وإبطان الكفر (وَهُوَ خادِعُهُمْ) من : خادعته فخدعته ، أي : فاعل بهم ما يفعل الغالب في الخداع ، حيث عصم دماءهم وأموالهم في الدنيا ، وكلّفهم بالأمور الشرعيّة ، وأعدّ لهم الدرك الأسفل من النار في الآخرة. وقد مرّ الكلام فيه أوّل سورة البقرة (١).
__________________
(١) راجع ج ١ : ٦٠.