وشكرتموه على نعمه (وَآمَنْتُمْ) به وبرسوله وبما جاء به من عند الله. أيتشفّى به غيظا ، أو يستجلب به نفعا ، أو يستدفع به ضررا؟! لا بل هو الغنيّ المتعالي الّذي لا يجوز عليه شيء من ذلك. وإنّما يعاقب المصرّ بكفره ، لأنّ إصراره عليه كسوء مزاج يؤدّي إلى مرض ، فإذا أزاله بالإيمان والشكر ، ونقّى عنه نفسه ، تخلّص من تبعته.
وإنّما قدّم الشكر لأنّ الناظر يدرك النعمة أوّلا فيشكر شكرا مبهما ، ثمّ يمعن النظر حتّى يعرف المنعم فيؤمن به.
(وَكانَ اللهُ شاكِراً) مجازيكم على الشكر. فسمّى الجزاء باسم المجزيّ عليه ، أي : مثيبا يقبل الشكر اليسير ، ويعطي الجزيل (عَلِيماً) بحقّ شكركم وإيمانكم.
(لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً (١٤٨))
قال عليّ بن عيسى : لمّا سبق ذكر النفاق ، وهو الإظهار خلاف الإبطان ، بيّن سبحانه أنّه ليس كلّ ما يقع في النفس يجوز إظهاره ، فإنّه ربما يكون ظنّا ، فإذا تحقّق ذلك جاز إظهاره ، فقال : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ).
وأنا أقول : الأنسب أن يقال في وجه الانتظام : إنّه لمّا كانت المخالفة في الدين بين الكافر والمؤمن ، وعصبيّة كلّ منهما فيه موجبا للعداوة الباطنة والظاهرة ، وذلك في مظانّ المشاتمة وصدور سوء الأقوال ، ونهى الله سبحانه المؤمنين عن ذلك في قوله : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) (١). وقال
__________________
(١) الأنعام : ١٠٨.