(وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ) ويترفّع عنها (وَيَسْتَكْبِرْ) ويتعظّم بترك الإذعان بطاعته. والاستكبار دون الاستنكاف ، ولذلك عطف عليه. وإنّما يستعمل حيث لا استحقاق بخلاف التكبّر ، فإنّه قد يكون بالاستحقاق. (فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ) إلى موضع جزائه (جَمِيعاً) فيجازيهم أجمعين.
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧٣))
ثم وعد الله سبحانه الّذين يقرّون بوحدانيّته ويعملون بطاعته ، أنّه يوفّيهم أجور أعمالهم الصالحة وافيا تامّا ، فقال : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بوحدانيّة الله وبنبوّة رسوله (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) على طاعتهم ، بأن كان لهم عشر أمثالها إلى سبعين ضعفا ، وإلى سبعمائة ، وإلى الأضعاف الكثيرة.
والزيادة على المثل تفضّل من الله سبحانه عليهم.
وبعد وعد الموحّدين الصالحين أوعد المشركين الطالحين ، فقال : (وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا) عن الإقرار بوحدانيّته (وَاسْتَكْبَرُوا) وتعظّموا عن الإيمان له بالطاعة والعبوديّة (فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً) مؤلما موجعا (وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ) لأنفسهم (مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا) ينجيهم من عذابه (وَلا نَصِيراً) ينقذهم عن عقابه. فالآية لبيان تفصيل المجازاة العامّة المدلول عليها من فحوى الكلام ، فكأنّه قال : فسيحشرهم إليه جميعا يوم يحشر العباد للمجازاة. أو لبيان مجازاتهم ، فإنّ إثابة مقابليهم والإحسان إليهم تعذيب لهم بالغمّ والحسرة.