بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ (١))
واعلم أنّه سبحانه لمّا ختم سورة النساء بذكر أحكام الشريعة ، افتتح سورة المائدة أيضا ببيان الأحكام ، وأجمل ذلك بقوله : «وأوفوا بالعقود» ثم أتبعه بذكر التفصيل. فقال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) الوفاء هو القيام بمقتضى العهد. وكذلك الإيفاء. يقال : وفا بعهده وأوفى بعهده ، بمعنى : قام بمقتضى العهد. والعقد : العهد الموثّق. وأصله الجمع بين الشيئين بحيث يعسر الانفصال.
والمراد بالعقود ما يعمّ عهود الله الّتي عقدها على عباده ، وألزمها إيّاهم بالإيمان به ، وطاعته فيما أحلّ لهم أو حرّم عليهم من التكاليف الشرعيّة العلميّة والعمليّة ، وما يعقدون بينهم من عقود المعاملات والمناكحات والأمانات ، ونحوها ممّا يجب الوفاء به أو يحسن ، إن حملنا الأمر على المشترك بين الوجوب والندب.
ثم أخذ سبحانه في تفصيل العقود الّتي أمر بالوفاء بها مجملا ، فقال : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) البهيمة كلّ حيّ لا يميّز. وقيل : كلّ ذات أربع من دوابّ البرّ والبحر. وإضافتها إلى الأنعام للبيان ، كخاتم فضّة. ومعناها : البهيمة من الأنعام ، كقولك : ثوب خزّ. وهي الأزواج (١) الثمانية. وألحق بها الظباء وبقر الوحش ، عن الكلبي. وقيل : هما المراد بالبهيمة ونحوهما ممّا يماثل الأنعام في الاجترار (٢) وعدم الأنياب. وحينئذ إضافتها إلى الأنعام لملابسة الشبه.
__________________
(١) وهي : الإبل ، والبقر ، والضأن ، والمعز ، الذكر والأنثى من كلّ منها.
(٢) اجترّ البعير : أعاد الأكل من بطنه فمضغه ثانية ، وحيوان مجترّ : يجترّ طعامه.