والذكاة في الشرع بقطع الحلقوم والمريء بمحدّد. والموت وإن كان متصوّرا بسبب آخر غير الأسباب المذكورة ، لكن لمّا كانوا في الجاهليّة لا يعدّون الميّت إلّا ما مات حتف أنفه من دون شيء من هذه الأسباب ، فأعلمهم الله تعالى بذكر هذه الأمور أنّ حكم الجميع واحد ، وأنّ وجه الاستباحة هو التذكية المشروعة فقط.
(وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) هو واحد الأنصاب ، وهي أحجار كانت منصوبة حول البيت ، يعبدونها ويذبحون عليها ، ويعدّون ذلك قربة. و «على» بمعنى اللام ، أو على أصلها بتقدير : وما ذبح مسمّى على الأصنام. وقيل : النصب جمع واحدها نصاب.
قال ابن جريج : ليست النصب أصناما ، إنّما الأصنام ما تصوّر وتنقش ، بل كانت أحجارا منصوبة حول الكعبة ، وكانت ثلاثمائة وستّين حجرا ـ وقيل : كانت ثلاثمائة منها لخزاعة ـ فكانوا إذا ذبحوا أنضحوا (١) الدم على ما أقبل من البيت ، وشرحوا (٢) اللحم وجعلوه على الأحجار. فقال المسلمون : يا رسول الله كان أهل الجاهليّة يعظّمون البيت بالدم ، فنحن أحقّ بتعظيمها. فأنزل الله تعالى : (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها) (٣) الآية.
(وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) أي : وحرّم عليكم الاستقسام بالأقداح. وذلك أنّهم إذا قصدوا فعلا ضربوا ثلاثة أقداح ، مكتوب على أحدها : أمرني ربّي ، وعلى الآخر : نهاني ربّي ، وعلى الثالث : غفل. فإن خرج الآمر مضوا على ذلك ، وإن خرج الناهي تجنّبوا عنه ، وإن خرج الغفل أجالوها ثانيا. فمعنى الاستقسام : طلب معرفة ما قسم لهم دون ما لم يقسم لهم بالأزلام. وهي جمع الزلم كجمل ، أو زلم كصرد.
__________________
(١) أي : رشّوا الدم.
(٢) شرح اللحم ، أي : قطعه قطعا طوالا.
(٣) الحجّ : ٣٧.