المسيح وأمّه ، ليدلّ على أنّهما من جنسهم ، لا تفاوت في البشريّة بينهما وبينهم.
فاحتجّ الله تعالى في هذا القول على فساد قولهم ، بأنّ المسيح مقدور مقهور قابل للفناء كسائر الممكنات ، ومن كان كذلك فهو بمعزل عن الألوهيّة.
ثمّ أزاح ما عرض لهم من الشبهة في أمره ، بأنّه خلق من غير أب ، فقال : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) والمعنى : أنّه تعالى قادر على الإطلاق ، يخلق من غير أصل ، كما خلق السموات والأرض ، ومن أصل ، كخلق ما بينهما ، فينشئ من أصل ليس من جنسه ، كآدم عليهالسلام وكثير من الحيوانات ، ومن أصل يجانسه ، إمّا من ذكر وحده كما خلق حوّاء ، أو من أنثى وحدها كعيسى ، أو منهما كسائر الناس.
(وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٨))
ثم حكى الله سبحانه عن الفريقين من أهل الكتاب ، فقال : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) أي : أشياع ابنيه عزير والمسيح ، كما قيل لأشياع أبي خبيب ـ وهو عبد الله بن الزبير ـ : الخبيبون. أو المقرّبون عنده قرب الأولاد من والدهم. وقد سبق (١) مثل ذلك في سورة آل عمران.
(قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) أي : فإن صحّ ما زعمتم أنّكم أبناء الله وأحبّاؤه فلم تذنبون؟ فتعذّبون بذنوبكم فتمسخون ، فإنّ من كان بهذا المنصب لا يفعل ما
__________________
(١) في ج ١ : ٤٩٢.