المعروف إليهم بإحيائه أخاهم المؤمن بمنزلة من أحيا كلّ واحد منهم ، لأنّ فعله باعث على اقتداء الناس به بمثل فعله ، فصاروا كلّهم سالمين عن القتل ، فكأنّه أحياهم كلّهم. والمقصود منه تعظيم قتل النفس وإحيائها في القلوب ، ترهيبا عن التعرّض لها ، وترغيبا في المحاماة عليها.
(وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) أي : بعد ما كتبنا عليهم هذا التشديد العظيم من أجل أمثال تلك الجناية ، وأرسلنا إليهم بالآيات الواضحة ، تأكيدا للأمر ، وتجديدا للعهد ، كي يتحاموا عنها ، وكثير منهم يسرفون في الأرض بالقتل ، ولا يبالون به. وبسبب هذا اتّصلت القصّة بما قبلها. والإسراف التباعد عن الاعتدال في الأمر.
(إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (٣٣) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤))
ولمّا قدّم سبحانه ذكر القتل وحكمه ، عقّبه بذكر قطّاع الطريق والحكم فيهم ، فقال : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي : يحاربون أولياءهما ، وهم المسلمون ، كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) (١). جعل محاربتهم محاربتهما تعظيما. وأصل الحرب السلب. (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) أي : مفسدين.
__________________
(١) الأحزاب : ٥٧.