(تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (١٤))
ولمّا فرض الله تعالى فرائض المواريث ، عقّبها بذكر الوعد في الائتمار لها ، والوعيد على التعدّي لحدودها ، فقال : (تِلْكَ) إشارة إلى الأحكام الّتي تقدّمت في أمر اليتامى والوصايا والمواريث (حُدُودُ اللهِ) شرائعه الّتي هي كالحدود المحدودة الّتي لا يجوز مجاوزتها (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) فيما أمر به من الأحكام الشرعيّة الّتي منها أحكام فرائض المواريث (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) من تحت أشجارها وأبنيتها (الْأَنْهارُ خالِدِينَ) دائمين (فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
توحيد الضمير في «يدخله» وجمع «خالدين» للّفظ والمعنى. وقرأ نافع وابن عامر : ندخله بالنون.
و «خالدين» حال مقدّرة ، فإنّ الخلود غير حاصل حال الإدخال ، كقولك : مررت برجل معه صقر صائدا به غدا ، وكذلك خالدا في قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) فيما بيّنه من الفرائض وغيرها (وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) ويتجاوز ما حدّ له من الطاعات (يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) سمّاه مهينا لأنّ الله تعالى يفعله على وجه الإهانة ، كما أنّه يثيب المؤمن على وجه الكرامة.
وليس «خالدين» و «خالدا» صفتين لـ «جنّات» و «نارا» ، وإلّا لوجب إبراز الضمير ، أي : خالدين هم فيها ، وخالدا هو فيها ، لأنّهما جريا على غير من هما له.
وفي قوله : «ويتعدّ» حدوده دلالة على أنّ المراد بقوله : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) الكافر ، لأنّ من تعدّى جميع حدود الله الّتي هي فرائضه وأوامره ونواهيه لا يكون إلّا كافرا.