(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) فإنّ السفه يؤدّي إلى الجهل بالحقّ والهزء به ، والعقل يمنع منه ، فكان لعبهم وهزؤهم من أفعال السفهاء والجهلة ، فكأنّه لا عقل لهم.
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (٥٩))
وروي أنّ نفرا من اليهود أتوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فسألوه عمّن يؤمن به من الرسل. فقال : أومن بالله ، وما أنزل إلينا ، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ـ إلى قوله ـ ونحن له مسلمون ، فلمّا ذكر عيسى عليهالسلام جحدوا نبوّته ، وقالوا : والله ما نعلم أهل دين أقلّ حظّا في الدنيا والآخرة منكم ، ولا دينا شرّا من دينكم ، فنزلت : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا)
ما تعيبون وتنكرون. يقال : نقم منه إذا أنكره ، وانتقم إذا كافأه (إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ) فوحّدناه ووصفناه بما يليق به من الصفات العلى ، ونزّهناه عمّا لا يجوز عليه في ذاته وصفاته (وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) من القرآن (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ) على الأنبياء من الكتب المنزلة عليهم.
(وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ) عطف على «أن آمنّا» ، وكأنّ المستثنى لازم الأمرين ، أعني : الإيمان وكون أكثركم فاسقين ، أي : وما تنقمون منّا إلّا الجمع بين إيماننا وبين تمرّدكم وخروجكم عن الإيمان ، كأنّه قيل : وما تنكرون منّا إلّا مخالفتكم حيث دخلنا الإيمان وأنتم خارجون منه. أو كان أصل الكلام : واعتقاد أنّ أكثركم فاسقون ، فحذف المضاف. أو عطف على «ما» ، أي : وما تنقمون منّا إلّا الإيمان بالله وبما أنزل وبأنّ أكثركم. أو على علّة محذوفة ، والتقدير : هل تنقمون منّا إلّا أن آمنّا لقلّة إنصافكم وفسقكم. أو نصب بإضمار فعل يدلّ عليه «هل تنقمون» ، أي : ولا تنقمون أنّ أكثركم فاسقون. أو رفع على الابتداء والخبر