ونظير ذلك قوله : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) (١). (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (٢). فجعل الله تعالى التقوى من أسباب التوسعة في الرزق.
(مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ) مسلمة عادلة ، آمنت بالنبيّ وبما جاء به ، غير غالية ولا مقصّرة. وقيل : مقتصدة في عداوته. والأوّل قول مجاهد والسدّي وابن زيد ، ومأثور عن أهل البيت عليهمالسلام. (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ) أي : بئس ما يعملونه.
وفيه معنى التعجّب ، أي : ما أسوأ عملهم. وهو المعاندة ، وتحريف الحقّ ، والإعراض عنه ، والإفراط في العداوة.
(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٦٧))
ثمّ أمر سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بالتبليغ ، ووعده العصمة والنصرة ، ليأمن من مكر المكرة من أهل الكفر والنفاق ، فقال : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ) هذا نداء تشريف وتعظيم (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) جميع ما أنزل إليك غير مراقب أحدا ولا خائف مكروها ، أي : ممّا أمرت بتبليغه من مصالح العباد ، لا جميع ما أنزل كائنا ما كان ، فإنّ من الأسرار الإلهيّة ما يحرم إفشاؤه.
(وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ) وإن لم تبلّغ جميع ما أمرت بتبليغه (فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) فما أدّيت شيئا منها ، لأنّ كتمان بعضها يضيّع ما أدّى منها ، كترك أركان الصلاة ، فإنّ غرض الدعوة ينتقض به. أو : فكأنّك ما بلّغت شيئا منها ، كقوله :
__________________
(١) الجن : ١٦.
(٢) الطلاق : ٢ ـ ٣.