(مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٧٦) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٧٧))
ولمّا قدّم سبحانه ذكر مقالات النصارى ، عقّبه بالردّ عليهم والحجاج لهم ، فقال : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) أي : ما هو إلّا رسول كالرسل قبله ، خصّه الله تعالى بالآيات كما خصّهم بها ، فإنّ إحياء الموتى على يده ، فقد أحيا العصا ، وجعلها حيّة تسعى على يد موسى ، وهو أعجب. وإن خلقه من غير أب ، فقد خلق آدم عليهالسلام من غير أب وأمّ ، وهو أغرب.
(وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) صدّقت بكلمات ربّها وكتبه ، وما هي إلّا كسائر النساء اللاتي يلازمن الصدق ، أو يصدّقن الأنبياء (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) أي : يفتقران إلى الغذاء وما يتبعه من الهضم والنقص افتقار الحيوانات ، فلم يكونا إلّا جسما مؤلّفا محدثا. وقيل : إنّه كناية عن قضاء الحاجة ، فكأنّه ذكر الأكل وقصد بذلك عاقبته.
فبيّن الله سبحانه أوّلا أقصى ما لهما من الكمال ، ودلّ على أنّه لا يوجب لهما ألوهيّة ، لأنّ كثيرا من الناس يشاركهما في مثله. ثمّ نبّه على نقصهما ، وذكر ما ينافي الربوبيّة ، وما يقتضي أن يكونا من عداد المركّبات الكائنة الفاسدة.