ثمّ فصّله بالذكر فقال : (وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) وخصّهما من بين جنس الكتب بالذكر لمزيد شرفهما (وَإِذْ تَخْلُقُ) تصوّر (مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) أي : هيئة مثل هيئة الطير وصورته (بِإِذْنِي) وأمري وتسهيلي. وسمّاه خلقا ، لأنّه كان يقدّره.
(فَتَنْفُخُ فِيها) الضمير للكاف ، لأنّها صفة الهيئة الّتي كان يخلقها عيسى وينفخ فيها ، ولا يرجع إلى الهيئة المضاف إليها ، لأنّها ليست صفة من خلقه ولا من نفخه في شيء ، أي : ينفخ فيها الروح ، لأنّ الروح جسم يجوز أن ينفخه المسيح بأمر الله تعالى.
والطير يؤنّث ويذكّر ، فمن أنّث فعلى الجمع ، ومن ذكّر فعلى اللفظ. وواحد الطير طائر ، كراكب وركب ، وضائن وضأن.
وبيّن بقوله : (فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي) أنّه إذا نفخ المسيح فيها الروح قلّبها الله لحما ودما ، وخلق فيها الحياة ، فصارت طيرا بأمر الله وإرادته ، لا بفعل المسيح.
وقرأ نافع : طائرا. ويحتمل الإفراد والجمع ، كالباقر.
(وَتُبْرِئُ) أي : تصحّح (الْأَكْمَهَ) الّذي ولد أعمى (وَالْأَبْرَصَ) من به برص مستحكم (بِإِذْنِي). والمعنى : أنّك تدعوني حتى أبرئ الأكمه والأبرص.
ونسب ذلك إلى المسيح ، لأنّه بدعائه وسؤاله.
(وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي) أي : اذكر إذ تدعوني فأحيي الموتى عند دعائك ، وأخرجهم من القبور حتى يشاهدهم الناس أحياء. نسب ذلك إلى المسيح أيضا ، لأنّه كان بدعائه. قيل : أخرج سام بن نوح ورجلين وامرأة وجارية.
(وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ) أي : اليهود حين همّوا بقتلك وأذاك (إِذْ جِئْتَهُمْ) ظرف لـ «كففت» ، أي : حين أتيتهم (بِالْبَيِّناتِ) المعجزات البيّنة مع كفرهم وعنادهم (فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وجحدوا نبوّتك (مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) يعنون به ما جاء به عيسى. يعني : ما هذا الّذي جئت به إلّا سحر ظاهر واضح. وقرأ حمزة