أي : أتأخذونه باهتين وآثمين؟ ويحتمل النصب على العلّيّة ، كما في قولك : قعدت عن الحرب جبنا ، لأنّ الأخذ بسبب بهتانهم واقترافهم المآثم.
والبهتان الكذب الّذي يبهت المكذوب عليه ، فيتحيّر. وقد يستعمل في الفعل الباطل ، ولهذا فسّر هاهنا بالظلم.
ثم أنكر تعجيبا استرداد المهر بقوله : (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ) أي : عجبا من فعلكم كيف تأخذون ذلك المهر (وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ)؟! الجملة حاليّة من فاعل «تأخذونه». والإفضاء كناية عن الجماع. والمعنى : وكيف تأخذون مهرهنّ والحال أنّه وصل بعضكم إلى بعضها بالملامسة ، ودخل بها وتقرّر المهر؟! (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) عهدا وثيقا ، وهو حقّ الصحبة والممازجة والمضاجعة. ووصفه بالغلظ لقوّته وعظمه ، فقد قالوا : صحبة عشرين يوما قرابة ، فكيف بما يجري بين الزوجين من الاتّحاد والامتزاج؟! وقيل : الميثاق الغليظ هو العهد المأخوذ على الزوج حالة العقد من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. وأشار إليه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله : «استوصوا بالنساء خيرا ، فإنّهنّ عوان (١) في أيديكم ، أخذتموهنّ بأمانة الله ، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله».
(وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (٢٢))
ولمّا بيّن سبحانه ذكر شرائط النكاح عقّبه بذكر من تحلّ من النساء ومن لا تحلّ ، فقال : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ) ولا تنكحوا الّتي نكحها آباؤكم. وإنّما ذكر «ما» دون «من» لأنّه أريد به الصفة ، لأنّ المعنى : لا تنكحوا منكوحة آبائكم.
__________________
(١) العاني : الأسير ، ومؤنّثه : العانية ، والجمع : عناة وعوان ، كحافي وحفاة ، وجارية وجوار.