لصحّة الظرفيّة كون المعلوم فيهما ، كقولك : رميت الصيد في الحرم ، إذا كنت خارجه والصيد داخله ، بمعنى أنّه تعالى وتقدّس لكمال علمه بما فيهما كأنّه فيهما. وقال الزجّاج : لو قلت : هو زيد في البيت والدار ، لم يجز إلّا أن يكون في الكلام دليل على أنّ زيدا يدبّر أمر البيت والدار ، فيكون المعنى : هو المدبّر في البيت والدار.
فالمعنى : هو المعبود المدبّر في السماوات والأرض. وليس الظرف متعلّقا بالمصدر ، وهو «سرّكم وجهركم» ، لأنّ صفته لا تتقدّم عليه.
(وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ) من خير أو شرّ ، فيثيب ويعاقب. ولعلّه أريد بالسرّ والجهر وما يخفى وما يظهر من أحوال الأنفس ، وبالمكتسب أعمال الجوارح.
(وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٥))
ثمّ أخبر سبحانه عن الكفّار المذكورين في أوّل الآية ، فقال : (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ) «من» مزيدة للاستغراق (مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ) للتبعيض (١) ، أي : ما يظهر لهم دليل قطّ من الأدلّة الّتي يجب فيها النظر وبها يحصل الاعتبار ، أو معجزة من المعجزات ، أو آية من آيات القرآن (إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) تاركين للنظر فيه ، غير ملتفتين إليه ، ولا مستدلّين به.
(فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) يعني : القرآن الّذي تحدّوا به فعجزوا عنه.
وهو كاللازم ممّا قبله ، كأنّه قيل : إنّهم لمّا كانوا معرضين عن الآيات كلّها كذّبوا به لمّا جاءهم. أو كالدليل عليه ، على معنى : أنّهم لمّا أعرضوا عن القرآن وكذّبوا به وهو أعظم الآيات ، فكيف لا يعرضون عن غيره؟! ولذلك رتّب عليه بالفاء.
__________________
(١) أي : «من» الثانية في قوله تعالى : «من آيات».