(فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي : سيظهر لهم أخبار الشيء الّذي كانوا به يستهزؤن ، وهو القرآن. يعني : سيعلمون بأيّ شيء استهزؤا ، وسيظهر لهم أنّه لم يكن بموضع الاستهزاء ، وذلك عند نزول العذاب بهم في الدنيا والآخرة ، أو عند ظهور الإسلام وارتفاع أمره وعلوّ كلمته.
(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٦))
ثمّ حذّرهم سبحانه ما نزل بالأمم قبلهم ، فقال : (أَلَمْ يَرَوْا) ألم ير كفّار قريش (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) أي : من أهل زمان مقترنين في وقت. والقرن مدّة أغلب أعمار الناس. وهي سبعون سنة. وقيل : ثمانون. وقيل : القرن أهل عصر فيه نبيّ أو فائق في العلم ، قلّت المدّة أو كثرت. واشتقاقه من : قرنت.
(مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ) جعلنا لهم فيها مكانا ، أو قرّرناهم فيها ، أو أعطيناهم من القوى والآلات ما تمكّنوا بها من أنواع التصرّف فيها (ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) ما لم نجعل لكم يا أهل مكّة ، من البسطة في الأجسام ، والسعة في الأموال ، والعبيد والخدم ، والولاية ، وطول المقام. أو ما لم نعطكم من القوّة والسعة في المال ، والاستظهار بالعدد والأسباب ، وأنتم تسمعون أخبارهم ، وترون ديارهم وآثارهم.
عدل عن الغيبة إلى الخطاب على طريقة الالتفات.
(وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ) أي : المطر ، أو السحاب ، أو المظلّة ، فإنّ مبدأ المطر منها (مِدْراراً) مغزارا (وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ) فعاشوا في