علمنا أنّه لا يحملك على ذلك إلّا الفقر ، فإنّا نجمع لك من أموالنا حتّى تكون من أغنانا ، فنزلت : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا) مالكا ومولى.
ووليّ الشيء مالكه الّذي هو أولى به من غيره. هذا إنكار لاتّخاذ غير الله وليّا ، لا لاتّخاذ الوليّ ، فلذلك قدّم وأولي همزة الاستفهام ، دون الفعل الّذي هو : اتّخذ. والمراد بالوليّ المعبود ، لأنّه ردّ لمن دعاه إلى الشرك.
(فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) مبدعهما. عن ابن عبّاس : ما عرفت معنى : فاطر السماوات والأرض ، حتّى أتاني أعرابيّان يختصمان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها ، أي : ابتدأت بحفرها. وجرّه على الصفة لله ، فإنّه بمعنى الماضي.
(وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) يرزق ولا يرزق. وتخصيص الطعام لشدّة الحاجة إليه. والمعنى : أنّ المنافع كلّها من عنده ، ولا يجوز عليه الانتفاع ، فكيف أشرك بمن هو فاطر السماوات والأرض ما هو نازل عن رتبة الحيوانيّة؟! (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ) أي : أمر ربّي (أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) أوّل من استسلم لأمر الله ورضي بحكمه ، أو أوّل من أخلص العبادة لله من أهل الزمان ، لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم سابق أمّته في الدين ، كقول موسى : (سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (١). (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) بترك أمره وارتكاب نهيه ، أو باتّخاذ غيره وليّا ، أي : وقيل لي : ولا تكوننّ من أهل الشرك ، أي : أمرت بالإسلام ، ونهيت عن الشرك. ويجوز عطفه على «قل».
(قُلْ إِنِّي أَخافُ) قيل : معناه أوقن وأعلم. وقيل : هو من الخوف. (إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) مبالغة اخرى في قطع أطماعهم ، وتعريض لهم بأنّهم عصاة مستوجبون للعذاب. والشرط معترض بين الفعل والمفعول به. وجوابه محذوف دلّ عليه الجملة.
__________________
(١) الأعراف : ١٤٣.