وفي الآية دلالة واضحة على بطلان الجبر ، وعلى إثبات المعاد ، وحشر جميع الخلائق.
(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤))
ثمّ بيّن سبحانه جواب القوم عند توجّه التوبيخ إليهم ، فقال : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ) أي : كفرهم. والمراد عاقبته. يعني : ثمّ لم يكن عاقبة كفرهم الّذي لزموه مدّة أعمارهم ، وقاتلوا عليه ، وافتخروا به ، وقالوا دين آبائنا. (إِلَّا أَنْ قالُوا) من فرط الحسرة والدهشة (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) يكذبون ويحلفون عليه ، مع علمهم بأنّه لا ينفعهم ، وذلك كأنّ الممتحن ينطق بما ينفعه وبما لا ينفعه من غير تمييز بينهما حيرة ودهشا. ألا تراهم يقولون : (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ) (١) وقد أيقنوا بالخلود ، ولم يشكّوا فيه. وقالوا : (لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) (٢) وقد علموا أنّهم لا يقضى عليهم.
والمعنى : جحدوا الكفر وتبرّؤا منه ، وحلفوا على الانتفاء من التديّن به ، مع علمهم بأنّه لا ينفعهم ذلك القول.
وقيل : المراد من فتنتهم معذرتهم الّتي يتوهّمون أن يتخلّصوا بها ، من : فتنت الذهب إذا خلّصته.
وقيل : جوابهم. وإنّما سمّاه فتنة لأنّه كذب ، أو لأنّهم قصدوا به الخلاص.
وقرأ ابن كثير وابن عامر وحفص : لم تكن بالتاء ، وفتنتهم بالرفع ، على أنّها
__________________
(١) المؤمنون : ١٠٧.
(٢) الزخرف : ٧٧.