بما أنزل الله إليّ ، تبرّأ عن دعوى الألوهيّة أو الملكيّة ، وأدّعي النبوّة الّتي هي من الكمالات البشريّة ، ردّا لاستبعادهم دعواه ، وجزمهم على فساد مدّعاه.
(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) مثل للضالّ والمهتدي ، أو الجاهل والعالم ، أو مدّعي المستحيل كالألوهيّة أو الملكيّة ، ومدّعي المستقيم كالنبوّة.
والهمزة للإنكار ، أي : لا يستويان. (أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) فتهتدوا ، أو فتميّزوا بين ادّعاء الحقّ والباطل ، أو فتعلموا أنّ اتّباع الوحي ممّا لا محيص عنه.
(وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٥١))
ثمّ أمر سبحانه بعد تقديم البيّنات بالإنذار ، فقال : (وَأَنْذِرْ بِهِ) الضمير لـ «ما يُوحى إِلَيَّ» (الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ) هم المؤمنون المفرّطون في العمل ، أو المجوّزون للحشر ، مؤمنا كان أو كافرا ، مقرّا به أو متردّدا فيه ، فإنّ الإنذار ينجع فيهم ، دون الفارغين الجازمين باستحالته.
وقال الصادق عليهالسلام : «أنذر بالقرآن من يرجون الوصول إلى ربّهم ، ترغّبهم فيما عنده ، فإنّ القرآن شافع مشفّع لهم».
(لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ) فإنّ شفاعة الشافعين من الأنبياء والمؤمنين تكون بإذن الله ، لقوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (١) فهي راجعة إلى الله تعالى. وهذه الجملة في موضع الحال من «يحشروا». والمعنى : يخافون أن يحشروا غير منصورين ولا مشفوعا لهم ، فإنّ المخوف هو الحشر على هذه الحالة.
__________________
(١) البقرة : ٢٥٥.