اتّسموا بسيرة المتّقين ، وإن كان لهم باطن غير مرضيّ كما ذكره المشركون ، فحسابهم عليهم لا يتعدّاهم إليك ، كما أنّ حسابك عليك لا يتعدّاك إليهم. فجعلت الجملتان بمنزلة جملة واحدة قصد بهما مؤدّى واحد ، وهو المعنيّ في قوله : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (١). ولا يستقلّ بهذا المعنى إلّا الجملتان جميعا ، كأنّه قيل : لا تؤاخذ أنت ولا هم بحساب صاحبه.
وقيل : ما عليك من حساب رزقهم ، أي : فقرهم. فالمعنى : ليس رزقهم عليك ، ولا رزقك عليهم ، وإنّما يرزقك وإيّاهم الرزّاق ، فدعهم يدنوا منك.
وقيل : إنّ الضمير للمشركين. والمعنى : لا يؤاخذون بحسابك ، ولا أنت تؤاخذ بحسابهم ، حتى يهمّك إيمانهم ، ويحرّك الحرص عليه إلى أن تطرد المؤمنين طمعا فيه.
وجواب النفي قوله : (فَتَطْرُدَهُمْ) فتبعّدهم. وجواب النهي قوله : (فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ). ويجوز عطفه على «فتطردهم» على وجه التسبّب ، لأنّ كونه ظالما مسبّب عن طردهم.
(وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣))
ثمّ أخبر سبحانه أنّه يمتحن الفقراء بالأغنياء ، والأغنياء بالفقراء ، والضعفاء بالأشراف ، والأشراف بالضعفاء : (وَكَذلِكَ) ومثل ذلك الفتن العظيمة والابتلاء ، وهو اختلاف أحوال الناس في أمور الدنيا (فَتَنَّا) أي : ابتلينا (بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) كرؤساء قريش بالموالي. بمعنى : عاملناهم معاملة المختبر. أو خذلناهم فافتتنوا ،
__________________
(١) الأنعام : ١٦٤.