(يَقُصُّ الْحَقَ) أي : يفصّل الحقّ من الباطل. أو يصنع الحقّ ويدبّره في كلّ ما يقضي من التأخير والتعجيل ، من قولهم : قضى الدّرع إذا صنعها. أو يقضي القضاء الحقّ ، على أنّه صفة المصدر المحذوف. وأصل القضاء الفصل بتمام الأمر. وأصل الحكم المنع ، فكأنّه منع الباطل. وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم : يقصّ ، أي : يتبع ، من : قصّ الأثر ، أو من : قصّ الخبر (وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) القاضين بين الحقّ والباطل.
(قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي) في قدرتي ومكنتي (ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) من العذاب (لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) أي : لأهلكتكم عاجلا غضبا لربّي ، وانقطع ما بيني وبينكم ، فتخلّصت منكم سريعا. (وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ) في معنى الاستدراك ، كأنّه قال : ولكنّ الأمر إلى الله ، وهو أعلم بمن ينبغي أن يؤخذ ، وبمن ينبغي أن يمهل منهم.
(وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٥٩))
ولمّا ذكر سبحانه أنّه أعلم بالظالمين ، بيّن عقيبه أنّه لا يخفى عليه شيء من الغيب ، ويعلم أسرار العالمين ، فقال : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) خزائنه. جمع مفتح بفتح الميم ، وهو المخزن ، أو جميع ما يتوصّل به إلى المغيّبات. مستعار من المفاتح الّذي هو جمع مفتح بالكسر ، وهو المفتاح ، لأنّ بالمفاتح يتوصّل إلى ما في المخازن المغلقة ، وهو المتوصّل إلى المغيّبات بذاته وحده المحيط علمه بها ، لا يتوصّل إليها سواه ، كما يتوصّل إلى ما في المخازن من عنده مفاتح أقفاله.