يكون مبصرا في ذاته ، فالأبصار لا تدركه ، لأنّها إنّما تدرك ما كان في جهة أو تابعا ، كالأجسام والألوان.
(وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) محيط علمه بها ، فإنّه للطف إدراكه للمدركات يدرك تلك الجواهر اللطيفة الّتي ركّبها الله في حاسّة النظر ، وهي الأبصار ، لا يدركها مدرك سواه. وقيل : تقديره : وهو يدرك ذوي الأبصار.
(وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) فيدرك ما لا تدركه الأبصار. ويجوز أن يكون من باب اللفّ ، أي : لا تدركه الأبصار ، لأنّه اللطيف ، فيلطف عن أن تدركه الأبصار ، وهو يدرك الأبصار ، ولا تلطف عن إدراكه ، لأنّه خبير بكلّ لطيف.
وروي عن الرضا عليهالسلام : أنّها الأبصار الّتي في القلوب ، لا تقع عليه الأوهام ، ولا يدرك كيف هو.
(قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (١٠٤) وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١٠٥))
ثمّ بيّن سبحانه أنّه بعد هذه الآيات قد أزاح العلّة للمكلّفين ، فقال : (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) البصائر جمع بصيرة ، وهي نور القلب ، كما أنّ البصر نور العين. وسمّيت بها الدلالة ، لأنّها تجلّي للنفس الحقّ وتبصّرها به.
(فَمَنْ أَبْصَرَ) أي : أبصر الحقّ وآمن به (فَلِنَفْسِهِ) أبصر ، لأنّ نفعه لها (وَمَنْ عَمِيَ) عن الحقّ وضلّ (فَعَلَيْها) وباله. وهذا وارد على لسان الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لقوله تعالى : (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) أحفظ أعمالكم وأجازيكم عليها ، وإنّما أنا منذر ، والله تعالى هو الحفيظ عليكم ، يحفظ أعمالكم ويجازيكم