(إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) استثناء من أعمّ الأحوال ، أي : لا يؤمنون في حال من الأحوال إلّا حال أن يشاء الله تعالى إيمانهم ، مشيئة إكراه وقسر واضطرار. يعني : أنّهم لا يؤمنون مختارين قطّ إلّا أن يكرهوا. (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) أنّهم لو أوتوا بكلّ آية لم يؤمنوا طوعا ، فيقسمون بالله جهد أيمانهم على ما لا يشعرون ، ولذلك أسند الجهل إلى أكثرهم ، مع أنّ مطلق الجهل يعمّهم. أو لكنّ أكثر المسلمين يجهلون أنّهم لا يؤمنون ، فيتمنّون نزول الآية المقترحة طمعا في إيمانهم.
وفي الآية دلالة على أنّ الله تعالى لو علم أنّه إذا فعل ما اقترحوه من الآيات آمنوا لفعل ذلك ، ولكان من الواجب في حكمته ، لأنّه لو لم يجب ذلك ، لم يكن لتعليله بأنّه لم يظهر هذه الآيات لعلمه بأنّه لو فعلها لم يؤمنوا ، معنى.
(وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (١١٢) وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ (١١٣))
ثمّ بيّن سبحانه ما كان عليه حال الأنبياء عليهمالسلام مع أعدائهم ، تسلية لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا) أي : وكما خلّينا بينك وبين أعدائك ، ولم نمنعهم عنك قسرا وكرها ، كذلك فعلنا بمن قبلك من الأنبياء وأعدائهم ، لم نمنعهم عن العداوة ، لما فيه من الامتحان الّذي هو سبب ظهور الثبات والصبر ، وكثرة الثواب والأجر.