(مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ). هذا تأييد لدلالة الإعجاز على أنّ القرآن حقّ منزل من عند الله ، يعلم أهل الكتاب به ، لتصديقه ما عندهم ، مع أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يمارس كتبهم ، ولم يخالط علماءهم ، وإنّما وصف جميعهم بالعلم ، لأنّ أكثرهم يعلمون ، ومن لم يعلم فهو متمكّن منه بأدنى تأمّل. وقيل : المراد مؤمنوا أهل الكتاب. وقرأ ابن عامر وحفص عن عاصم : منزّل بالتشديد.
(فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) من الشاكّين في أنّهم يعلمون ذلك ، أو في أنّه منزل ، لجحود أكثرهم وكفرهم به ، فيكون من باب التهييج ، كقوله تعالى : (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١). أو (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) في أن أهل الكتاب يعلمون أنّه منزل بالحقّ ، ولا يريبك جحود أكثرهم وكفرهم به. وقيل : الخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ظاهرا ، والمراد خطاب أمّته. ويجوز أن يكون خطابا لكلّ أحد ، على معنى أنّه : إذا تظاهرت الحجج على صحّته فلا ينبغي أن يمتري أحد فيه.
(وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١١٥))
ثمّ بيّن سبحانه صفة الكتاب المنزل ، فقال : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) أي : بلغت الغاية حججه وأمره ونهيه ووعده ووعيده (صِدْقاً) في الأخبار والمواعيد (وَعَدْلاً) في الأقضية والأحكام. ونصبهما يحتمل التمييز والحال والمفعول له (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) لا أحد يبدّل شيئا من ذلك بما هو أصدق وأعدل. أو لا أحد يقدر أن يحرّفها شائعا ذائعا كما فعل بالتوراة ، على أنّ المراد بها القرآن ، فيكون ضمانا لها من الله تعالى بأن يحفظه ، كقوله : (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (٢). أو لا نبيّ ولا كتاب
__________________
(١) القصص : ٨٧.
(٢) الحجر : ٩.