ردّا عليهم : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) هذا مسبّب عن إنكار اتّباع المضلّين الّذين يحرّمون الحلال ويحلّون الحرام. والمعنى : كلوا ممّا ذكر اسم الله على ذبحه ، وهو المذكّى ببسم الله ، لا ممّا ذكر عليه اسم غيره ، أو مات حتف أنفه. (إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ) فإنّ الإيمان بها يقتضي استباحة ما أحلّه الله تعالى ، واجتناب ما حرّمه.
(وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) أي : وأيّ غرض لكم في أن تتحرّجوا عن أكله؟ وما يمنعكم عنه؟ (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) ممّا لم يحرّم بقوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) (١). وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر : فصّل على البناء للمفعول ، ونافع ويعقوب وحفص : حرّم على البناء للفاعل ، وهو الله تعالى.
(إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) إلى ما حرّم عليكم ، فإنّه ايضا حلال حال الضرورة ، حفظا للنفس.
(وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ) بتحليل الحرام وتحريم الحلال. وقرأ الكوفيّون بضمّ الياء ، وأرادوا : يضلّون أشياعهم ، والباقون بالفتح. (بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) بتشهّيهم من غير تعلّق بدليل يفيد العلم (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) المتجاوزين الحقّ إلى الباطل ، والحلال إلى الحرام.
(وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) ما أعلنتم منه ، وما أسررتم. وقيل : ما عملتم بجوارحكم ، وما نويتم بقلوبكم. وقيل : الزنا في الحوانيت ، واتّخاذ الأخدان في السرّ.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ) يرتكبون القبيح (سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ) يكتسبون.
ثمّ أكّد سبحانه ما قدّم بقوله : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) على ذبحه. وهذا تصريح في وجوب التسمية على الذبيحة. وظاهره دالّ على تحريم متروك التسمية عمدا أو نسيانا. وإليه ذهب داود وأحمد. وقال مالك والشافعي بخلافه ، لقوله عليهالسلام : «ذبيحة المسلم حلال وإن لم يذكر اسم الله عليه». وفرّق أبو
__________________
(١) المائدة : ٣.