وروي أنّ أبا جهل قال : زاحمنا بني عبد مناف في الشرف حتّى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا : منّا نبيّ يوحى إليه. والله لا نرضى به ولا نتّبعه أبدا ، إلّا أن يأتينا وحي كما يأتيه ، فنزلت : (وَإِذا جاءَتْهُمْ) يعني : كفّار قريش (آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ). ونحوها قوله : (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) (١).
(اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) استئناف للردّ عليهم ، بأنّ النبوّة ليست بالنسب والمال ، وإنّما هي بفضائل نفسانيّة يخصّ الله تعالى بها من يشاء من عباده ، فيجتبي لرسالته من علم أنّه يصلح لها ، وهو أعلم بالمكان الّذي يضعها فيه. وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم : رسالته.
(سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) من أكابرها (صَغارٌ) ذلّ وحقارة بعد كبرهم وعظمهم (عِنْدَ اللهِ) يوم القيامة. وقيل : من عند الله. (وَعَذابٌ شَدِيدٌ) في الدارين من الأسر والقتل وعذاب النار (بِما كانُوا يَمْكُرُونَ) بسبب مكرهم ، أو جزاء على مكرهم.
(فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (١٢٥) وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٧))
ولمّا تقدّم ذكر المؤمنين والكافرين ، بيّن عقيبه ما يفعله سبحانه بكلّ من
__________________
(١) المدّثّر : ٥٢.