(ذلِكَ) إشارة إلى ما تقدّم من بعثة الرسل. وهو خبر مبتدأ محذوف ، أي : الأمر ذلك. وقوله : (أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ) تعليل للحكم. و «أن» مصدريّة أو مخفّفة من الثقيلة ، أي : الأمر ما قصصنا عليك ، لانتفاء كون ربّك ، أو لأنّ الشأن لم يكن ربّك مهلك أهل القرى بسبب ظلم أقدموا عليه ، أو ملتبسين بظلم ، أو ظالما ، على معنى : أنّه لو أهلكهم من غير تنبيه رسول وكتاب لكان ظالما ، وهو متعال عن الظلم.
(وَلِكُلٍ) من المكلّفين (دَرَجاتٌ) مراتب (مِمَّا عَمِلُوا) من أعمالهم على حسب ما يستحقّونه ، أو من جزائها ، أو من أجلها. وقيل : أراد درجات ودركات من جزاء أعمالهم ، فغلب منازل أهل الجنّة. (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) فلا يخفى عليه مقاديره ، وما يستحقّ عليه من الثواب والعقاب. وقرأ ابن عامر بالتاء على تغليب الخطاب على الغيبة.
(وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (١٣٣) إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (١٣٤) قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (١٣٥))
ولمّا أمر سبحانه بطاعته وحثّ عليها ورغّب فيها ، بيّن أنّه لم يأمر بها لحاجة ، لأنّه يتعالى عن النفع والضرّ ، فقال : (وَرَبُّكَ الْغَنِيُ) عن العباد والعبادة (ذُو الرَّحْمَةِ) يترحّم عليهم بإمهالهم على التكليف ، ليعرضهم المنافع العظيمة الّتي