واعتلّوا لذلك بأن الله غنيّ. فقال سبحانه : (فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ) أي : لا يصل إلى الوجوه الّتي كانوا يصرفونه إليها ، من قرى الضيفان والتصدّق على المساكين (وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ).
وفي قوله : «ممّا ذرأ» تنبيه على فرط جهالتهم ، فإنّهم أشركوا الخالق في خلقه جمادا لا يقدر على شيء ، ثمّ رجّحوه عليه ، بأن جعلوا الزاكي له. وفي قوله : «بزعمهم» تنبيه على أنّ ذلك ممّا اخترعوه ، لم يأمرهم الله به. وقرأ الكسائي بالضمّ في الموضعين (١). وهو لغة فيه.
(ساءَ ما يَحْكُمُونَ) حكمهم هذا. وهو إيثار آلهتهم على الله ، وعملهم على ما لم يشرع لهم.
(وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (١٣٧))
ثمّ بيّن سبحانه خصلة اخرى من خصالهم الذميمة ، فقال : (وَكَذلِكَ) أي : ومثل ذلك التزيين الّذي هو تزيين الشرك في قسمة القربان بين الله وآلهتهم (زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ) بالوأد خيفة العلية أو العار ، أو بنحرهم لآلهتهم (شُرَكاؤُهُمْ) من الجنّ ، أو من سدنة الأصنام. وهو فاعل «زيّن».
وقرأ ابن عامر : زيّن ، على البناء للمفعول الّذي هو القتل ، ونصب الأولاد ، وجرّ الشركاء بإضافة القتل إليه ، مفصولا بينهما بمفعوله. وهو ضعيف في العربيّة ، معدود من ضرورات الشعر ، كقوله :
فزججتها بمزجّة |
|
زجّ القلوص أبي مزادة |
فإنّه فصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول. وتقديره : فزججت الكتيبة
__________________
(١) أي : بزعمهم ، في هذه الآية ، وفي الآية ١٣٨ ، وستأتي في ص : ٤٦٦.