(أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) بل أكنتم شهداء حاضرين مشاهدين (إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا) حين وصّاكم بهذا التحريم؟! ومعناه : أعرفتم توصية الله مشاهدين ، إذ أنتم لا تؤمنون بالرسل ، ومع ذلك تقولون إنّ الله حرّم هذا الّذي تحرّمونه ، فلا طريق لكم إلى معرفة أمثال ذلك إلّا المشاهدة والسماع.
(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) فنسب إليه تحريم ما لم يحرّم. والمراد كبراؤهم المقرّرون لذلك ، أو عمرو بن لحى المؤسّس له ، فإنّه الّذي بحّر البحائر وسيّب السوائب وغيّر دين إبراهيم وإسماعيل. (لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي : يعمل عمل القاصد إلى إضلالهم ، من أجل دعائه إيّاهم إلى ما لا يثق بصحّته ، ممّا لا يأمن من أن يكون فيه هلاكهم ، وإن لم يقصد إضلالهم (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) إلى الثواب ، لأنّهم مستحقّون العقاب الدائم بكفرهم وضلالهم.
وقوله : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) إلى قوله : (الْمُسْرِفِينَ) اعتراض. وكذلك قوله : (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) و (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ) إلى تمام الآيتين. والاعتراضات لتأكيد التحليل ، والاحتجاج على من ذهب إلى التحريم.
(قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥))
ولمّا قدّم تعالى ذكر ما حرّمه المشركون ، عقّبه ببيان المحرّمات بقوله : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَ) أي : في القرآن ، أو فيما أوحي إليّ مطلقا. وفيه تنبيه على أنّ التحريم إنّما يعلم بالوحي ، لا بما تهوى الأنفس. (مُحَرَّماً) طعاما محرّما (عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) على آكل يأكله (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً) إلّا أن يكون الطعام ميتة. وقرأ