محال أن يكون حجّة (إِنْ تَتَّبِعُونَ) ما تتّبعون في قولكم هذا (إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) تقدّرون أن الأمر كما تزعمون ، أو تكذبون. وفيه دليل على المنع من اتّباع الظنّ ، سيّما في الأصول.
(قُلْ) يا محمد إذا عجز هؤلاء عن إقامة حجّة على ما قالوه (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) البيّنة الواضحة الّتي بلغت غاية المتانة والقوّة على الإثبات ، أو بلغ بها صاحبها صحّة دعواه. وهي من الحجّ بمعنى القصد ، كأنّها تقصد إثبات الحكم وتطلبه. أو من : حجّ ، إذا غلب ، فإنّ من تمسّك بها غلب أهل الضلال.
(فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) أي : لألجأكم إلى الإيمان وهداكم جميعا إليه ، بفعل الإلجاء والقسر ، إلّا أنّه لم يفعل ذلك ، لأنّ الإلجاء ينافي التكليف.
وقال في الكشّاف : «معناه : قل إن كان الأمر كما زعمتم أنّ ما أنتم عليه بمشيئة الله ، فالله الحجّة البالغة عليكم على قود مذهبكم ، فلو شاء لهداكم أجمعين منكم ومن مخالفيكم في الدين ، فإنّ تعليقكم دينكم بمشيئة الله يقتضي أن تعلّقوا دين من يخالفكم أيضا بمشيئته ، فتوالوهم ولا تعادوهم ، وتوافقوهم ولا تخالفوهم ، لأنّ المشيئة تجمع بين ما أنتم عليه وبين ما هم عليه» (١).
(قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١٥٠))
ثمّ بيّن سبحانه أنّ الطريق الموصل إلى صحّة مذاهبهم منسدّ غير ثابت من
__________________
(١) الكشّاف ٢ : ٧٧.